حمود أبو طالب

عندما يعزم طرف على التوسط في مشكلة فلا بد أن تتوافر لديه شروط مهمة وموضوعية حتى يكون مؤهلاً للتدخل فيها خصوصاً إذا كانت المشكلة خطيرة وأحد أطرافها يمارس التعنت بهدف تعقيدها لخلق مشاكل أخطر. حسن النية شرط أساسي يأتي في أول الشروط، ثم الإحاطة الكاملة بكل جوانب المشكلة، أسبابها وحيثياتها وتداعياتها والعوامل التي فجرتها ونوعية الضرر الواقع على المتأثرين منها، ثم الحياد التام والوقوف على مسافة واحدة من جميع الأطراف، وكذلك عدم استغلالها لمكاسب خاصة أو توظيفها لصالح أجندات مستقبلية أو الخروج بها من إطارها وحقيقتها لتمييعها وإفراز مشاكل أخرى على هامشها.

في الأزمة القطرية لا تبدو هذه الشروط متوافرة في الوسطاء الذين دخلوا على خطها، وربما يكون توقعها فيهم مثالية ليس مكانها السياسة، لكن بعض الوسطاء يسعون إلى تحقيق أهدافهم من أي مشكلة بأساليب ذكية غير مباشرة وغير مستفزة للأطراف المتضررة، والبعض عكس ذلك إذ يتضح منذ البداية فشلهم الواضح في كونهم وسطاء فاعلين ومخلصين ومحايدين، ويتضح ذلك أكثر ما يتضح في أداء وزير الخارجية الأمريكي ريكس تيلرسون، أو لنقل في أداء الإدارة الأمريكية عموماً لأنه ليس من المنطق تصور سياسة خارجية لها بأداء فردي لا يمثل سياسة الفريق والإدارة بجميع عناصرها وأركانها. لقد أغفل الوزير الأمريكي صلب المشكلة وجوهرها، وحاول تبسيطها وتسطيحها وذهب بعيداً عندما اختزل حلولها في مذكرة تفاهم أمريكية قطرية لمكافحة الإرهاب، علماً أن مطالب الدول الأربع منذ البداية تتمحور في مطالبة قطر بإنهاء سياستها الداعمة للإرهاب بكل أشكاله، والذي تضررت منه هذه الدول بشكل كبير، ولهذا السبب - أي التسطيح الأمريكي للمشكلة - كان الرد الرافض للدول الأربع واضحا ومباشرا، ما جعل الوزير الأمريكي يعود أدراجه مجدداً لمقابلة الطرف القطري، حاملاً معه إصرار الأطراف الأربعة على التمسك بمطالبها المشروعة العادلة.

لو كانت قطر تريد بالفعل حلاً للأزمة لاحترمت مطالب الدول الأربع منذ البداية واحترمت الوساطة الكويتية في إطار البيت الخليجي، لكنها أرادت جر الأطراف الدولية إلى الساحة الخليجية لتحوير أساس المشكلة وتغيير طبيعتها والهروب من تبعاتها، لكن ذلك لن يحدث لأن الدول التي تقف في الطرف الآخر تعرف جيداً كيف تدير أزمتها مع قطر ويصعب أن تنطلي عليها مناوراتها المتسمة بالرعونة والتهور والسذاجة أيضاً، وعليها استثمار هذه الفرصة التي يبدو أنها الأخيرة قبل أن تواجه مصيراً لا قبل لها به.