عبدالله العوضي

ولد الوعي لديَّ، على وقع حرب 5 حزيران 1967، التي سميت بالهزيمة الكبرى والنكسة، وشهدت الفدائيين الفلسطينيين وهم يجوبون مدارس الدولة بملابسهم الحربية، والفدائيات اللاتي كن يجُبن مدارس البنات، وعلى رأسهن جميلة أبوحيرد، وهو الأسلوب الذي كان متبعاً في حينه لزيادة وعينا بما يدور في الصراع الذي لم ينته بعدُ في فلسطين.

كبر الوعي فينا حتى أدركنا حرب 6 أكتوبر 1973 بين مصر وإسرائيل حتى الوصول إلى خط بارليف 101 كلم على أجساد الشهداء الذين جعلوا من أجسادهم جسراً للعبور من تحت جنازير الدبابات، وهو ما ذكره لي أحد المشاركين في هذه الحرب التي ما زالت إسرائيل تراها هزيمة نكراء لها.

تعمق الوعي في فكرنا وعقولنا فوصلنا إلى الحرب العراقية- الإيرانية، حرب الخليج الأولى، التي دامت قرابة ثماني سنوات، أحرقت مقدرات مالية من غير البشر، بلغت قرابة تريليون دولار، بعد أن تولى ملالي إيران النظام هناك من أجل تصدير الثورة المزعومة باسم المستضعفين المخدوعين.
وفي أوائل التسعينات ابتلي الخليج لأول مرة في عقر داره عندما غزا صدام الكويت ضالاً طريقه إلى القدس، فاتحد العالم في تحريرها وعودة الحرية والعزة والإباء إلى حكومتها وشعبها في معركة أحرقت الحرس الجمهوري بأكمله غير مأسوف عليه.

وجاء 2003 حين غزت أميركا العراق وعينت «بريمر» حاكماً تنفيذياً للعراق، حيث ارتكب خطأ جسيماً لا يمكن نسيانه عندما حل الجيش العراقي، وترك المجال مستباحاً من قبل النظام الإيراني الذي استقوى بالنظام الطائفي في العراق من المالكي إلى العبادي، وقد نالت إيران من خلاله الجائزة الكبرى، فأعدم صدام قرباناً لعيد الأضحى، ومن بعد غدا الشعب العراقي قرابين كذلك.

دارت الدائرة على العالم العربي بحلول عام 2011 وربيع الشؤم فيه عندما أحرق ذلك التونسي نفسه في الشارع العام بعد أن تلقى صفعة مدوية من قبل أحد أفراد الأمن، ولم يشعل نفسه بل أحرق من ورائه الدول التي تغيرت فيها الأنظمة تأثراً بذاك «الربيع» المخرِّف.

وللمرة الثانية، تقترب نار «الربيع» المزيف من الخليج في البحرين لولا وقوف دول مجلس التعاون صفاً واحداً لاجتثاث جذوره السامة.

طوال نصف قرن مضى ونحن الشهود على هذا العصر المعصور بالأزمات والخليج العربي صامد، شامخ، ضاربة جذوره في العطاء لكل ما في المستقبل من نماء وتطور وحضارة إنسانية راقية، تحمل للعالم منارات التسامح لكل شعوب الأرض المحبة للسلام، حتى جاءت قطر 5 يونيو 2017 لتذكرنا بالنكبة الأولى بعد أن وضع مجلس التعاون كل الكوارث السابقة خلف ظهره حتى لا تمثل عقبة تمنعه من الاندفاع نحو المستقبل، فلماذا قطر تدفع بنا للخلف وقد شاركت بذاتها في بناء صرح التعاون لأكثر من ثلاثة عقود من الرخاء والاستقرار والأمان برغم خلق الأزمات التي لم تفارق هذه المنطقة العصية على كل الخصوم والمتربصين بخليجنا الدوائر، وعلى رأس تلك الدوائر النظام الإيراني الذي أُسِّس المجلس في الأصل لوقفه عند حده، وقد جاءت قطر اليوم لتضع هذه المنظومة الخليجية المحافظة على سبل الأمن والأمان والاستقرار والسلام على كل المستويات المحلية والإقليمية والعالمية، لتسلمها لإيران على طبق من ذهب بعد أن فشلت في أن تفعل فعلها المشين على صفيح ساخن.

قطر إذا استمرت على نهجها في رفض صوت العقل المتعقل والوعي المتمثل فيما مر على الأمة من ويلات «الربيع» المدسوس كالسم في الدسم، وليس أقل من أن نذكرها بموقف أحد قادة «الإخوان» ممن فارق الحياة ولكنه كانت قطر وشعبها من وجهة نظره ركاب سفينة واحدة غرقت بهم في بحر لجي فمن يبالي بهم، وهو الشخص ذاته الذي أراد أن يمثل يوماً دور عمر بن الخطاب رضي الله عنه في البغلة التي تعثرت في العراق عندما حرق مقولته لإثبات أنه أكثر إنسانية منه في قوله لو أن كوبياً استنجد بي لكان من الواجب عليّ أن أرسل جيش المعتصم لإنقاذه، حتى لو كان ذلك على حساب قطر وشعبها.

هذا الذي نخشاه على قطر اليوم فمن تقف وراءهم بكل بما أوتيت من قوة المال السياسي، وبالعودة إلى غزو العراق للكويت فقد اعتبر «الإخوان» الخليج كله «البقرة الحلوب» ليس إلا، فلا قيمة لإنسانه ولا إنسانيته، فهل فمن مبصر في قطر؟!