عمار علي حسن

يُعرَّف الإرهاب بأنه فعل عنيف منظم وسري ومخطط وله هدف محدد ذو طابع سياسي وجنائي معاً، ترتكبه مجموعة أو حركة أو تنظيم، ويتم فيه استعمال القوة أو التهديد بها، وإثارة الخوف والرهبة، وهو وسيلة للقتال العشوائي لا تحدها قيود إنسانية ولا يمكن التنبؤ بها، قد تكون تكتيكاً أو استراتيجية، تتضمن الإكراه والابتزاز والحض على الإذعان، في ظل دعاية مدبرة. وضحايا الإرهاب قد يكونون أبرياء من المدنيين غير المقاتلين أو المحايدين غير المنخرطين في عمليات القتال أو المواجهة المسلحة. ونحتاح في تصدينا للإرهاب إلى استراتيجية شاملة، لها جوانب فكرية ومعرفية إلى جانب الأمور العسكرية والأمنية والاقتصادية، ومن المهم أيضاً التصدي للدول التي تدعم الإرهاب وترعاه.

وعند حدود هذا التعريف العلمي لا نبالغ إذا قلنا إن هناك أمرين يتعانقان:

1- إن الإرهاب قديم، كفعل وممارسة وطريقة للعنف المنظم المفرط، ولكنه كاصطلاح متبلور على النحو المستقر في متون المعاجم والقواميس والموسوعات السياسية الحديثة، هو مسألة جديدة، ذاع صيتها في العقود الأخيرة.
2- ليس الإرهاب فعلًا لصيقاً بدين أو مذهب أو ثقافة أو طبقة أو فكر معين، فكثير من الأديان والأيديولوجيات على مدار التاريخ أنتجت إرهاباً وإرهابيين، ولغُوا في الدم، وأفرطوا في التخريب والتدمير، وعاثوا في الأرض فساداً، متوهمين أنهم مصلحون، أو أبطال يقاومون الظلم والقهر أو ينصرون الدين والفكرة التي يعتقدون في طهريتها ووجاهتها!

ولكن من المؤسف أن الحلقة الأعلى صوتاً من الإرهاب في تاريخ العالم المعاصر ملتصقة بحركات تتخذ من الإسلام أيديولوجية لها، تتوزع على أماكن ودول عديدة، وانتقلت في العقد الأخير من المحلية إلى العالمية، عابرة الحدود، ومتنقلة في القارات الست تحت راية «جهاد الطلب» ووفق شعارات منها مواجهة «القوى المعادية للإسلام» أو «إقامة الخلافة الإسلامية» أو قتال «العدو البعيد» و«العدو القريب».

وبالتالي فإن ربط الإرهاب بالعرب فقط، أو قصره عليهم، وإن كان لا يمت إلى التفكير العلمي بصلة، لكننا لا يمكن أن ننكر أن التنظيمات الإرهابية الأكثر صخباً في العالم الآن ترفع الإسلام شعارا سياسياً لها، ونبتت في حضن البيئة الاجتماعية العربية، التي تتزاحم فيها الأسباب التي تؤدي إلى تواجد الإرهاب وتغذيه.

والإرهاب هو النتيجة الأخيرة للتطرف الديني أو التدبير والتطبيق العنيف له. فالتطرف كتصور فكري وموقف نفسي يمكن أن يقف عند هذا الحد لدى بعض الأفراد، بينما يتطور عند آخرين ليصير إرهاباً يقمع ويقتل ويدمر ويخرب ويعيث في الأرض فساداً.

والسؤال الذي يطرح نفسه في هذا المقام هو: كيف نواجه الإرهاب؟ والإجابة هي أن هناك طريقتين، الأولى دفاعية والثانية هجومية. في الأولى نحن نحصن مواقعنا وشوارعنا ومنشآتنا ونفرض حراسة مشددة على الأشخاص المطلوب قتلهم فلا نجعلهم صيداً سهلاً للإرهابيين. وفي الثانية نذهب إلى الجحور التي يختبئ فيها هؤلاء القتلة فنخرجهم منها صاغرين، وهذا أمر يتطلب جمعاً لمعلومات كافية عنهم، ووجود خطط محكمة للوصول إليهم.

ولكن كلتا الطريقتين هما محض تدبير قصير الأمد، يغلب فيه الأمنى ما عداه، وهذا لا يمكن أن يشكل حلاً ناجعاً ومستقراً، وهو إن كان لا غنى عنه في المواجهة العاجلة والتكتيكية للإرهابيين فإنه لابد من وضع استراتيجية للقضاء على الإرهاب أو تخفيف حدته وضرب أهدافه بعيدة المدى، وهذا لن يتم إلا من خلال تعليم يعلم أولادنا «أسس التفكير العلمي» لأن الإرهابيين يصطادون من يسلمون بكل ما يقال لهم وأذهانهم مغيبة أو غير قادرة على التمييز والتحليل، ومن خلال ثقافة تنتصر للقيم الإيجابية والمعتدلة، ومن خلال إصلاح ديني تأخر طويلاً، وإلى جانب كل هذا يجب أن تكون هناك خطة لتنمية مجتمعاتنا سياسياً واجتماعياً واقتصادياً لأن الإرهاب يقتات على الفشل.

ومع هذا، أو قبله، لابد من قطع طريق التمويل والدعم المعنوي الذي يقدم للإرهابيين، أو إنهاء الأطراف التي توفر لهم غطاء سياسياً وإعلامياً. فأكثر ما يتسبب في إطالة أمد الإرهاب، وتعميقه في حياتنا، وتعليقه هكذا من دون حل حقيقي، هو وجود دول تساند الإرهاب خفية، على رغم أن بعضها يسب الإرهابيين ليل نهار في العلن. فالتصدي لهذه الدول بات ضرورة، لا فكاك منه، إن كان محاربو الإرهاب صادقين في توجهاتهم، وراغبين في إنقاذ بلادنا من خطر داهم يحدق بها.