عبدالله بن عبدالمحسن الفرج

إن المواقف الاقتصادية المختلفة التي عبرت عنها الفضاءات الاقتصادية الكبرى في العالم أثناء انعقاد قمة مجموعة العشرين في هامبورغ بألمانيا الأسبوع الماضي تعبر عن التغيرات الذي طرأت على المواقع الاقتصادية لهذه الفضاءات منذ الحرب العالمية الثانية وحتى الآن.

ففي عام 1945 كانت نسبة الاقتصاد الأمريكي تصل إلى 53% تقريباً من الاقتصاد العالمي وتتحكم بـثلثي احتياط العالم من الذهب، ولكن هذا ليس هو الواقع اليوم. فالولايات المتحدة تراجع نصيبها في الاقتصاد العالمي إلى 28% في حين صعدت الصين إلى 18%. أما احتياط الذهب فإن الاتحاد الأوروبي يتصدر بقية بلدان العالم.

ولهذا رأينا الرئيس الأمريكي في هامبورغ يدافع عن حماية المنتجين الامريكيين من المنافسة الاجنبية، وبالعكس فإن الصين التي تشعر بالميزة النسبية لاقتصادها أصبحت من أشد المدافعين عن حرية التجارة. ومن الواضح أنه قبل أن يتم تحديث العديد من الدول الصناعية لاقتصاداتها وتحويلها إلى اقتصادات رقمية فإنها سوف تخسر المنافسة لصالح المنتجات الصينية الارخص في التكلفة والصادرات الألمانية التي تتمتع سلعها بميزة نسبية سببها عدم المبالغة في الأجور وميل الألمان إلى الادخار.

وعلى هذا الأساس فإن الصين وألمانيا سوف تربح على المدى القصير وربما المتوسط نتيجة تشابه نموذجهما مع الفارق. ففي ألمانيا لا تزال الأجور غير مرتفعة جراء الاتفاق بين الشركات والنقابات. كما أن ميل الالمان إلى عدم الاسراف يضغط على الانفاق الاستهلاكي 54% من الناتج المحلي الإجمالي؛ في حين أن هذا المؤشر في الولايات المتحدة يصل إلى 69%. وإلى هذا يمكن أن نضيف توجه المانيا، الذي اشتكي منه ترامب، لإنتاج سياراتها عالية الجودة في بلدان اليد العاملة فيها رخيصة.

ولكن هذا ليس حال الأمور على المستوى البعيد. فرغم جودة صناعة السيارات الألمانية فإن المدير التنفيذي لشركة مريسدس على حق عندما عبر عن مخاوفه من منافسة شركات السيارات الحديثة مثل تيسلا وجوجل وأبل وامازون. خصوصًا وإن الاقتصاد الألماني ليس في مقدمة الاقتصادات الرقمية التي يسبقها فيه 24 بلد. أما الصين التي تسرع الخطى في هذا المجال فإن اقتصادها على المستوى البعيد معرض لفقدان ميزته النسبية. فالمعدات والسلع التي سوف تصنعها الروبوتات في الصين وفي غيرها من البلدان تكلفتها واحدة. ولهذا فإن الثورة الصناعية القادمة سوف تكون مرتفعة التكلفة في الصين التي يبلغ عدد سكانها 1,382 مليار نسمة.

من هنا فإن البلدان الصناعية إذا أرادت تحييد الصين وألمانيا فإن عليها الإسراع في الانتقال نحو الاقتصاد الرقمي الذي يفرغ المزايا النسبية للاقتصادين الصيني والألماني من محتواهما.