سمير عطا الله

 لم يكن نصري شمس الدين يملك حنجرة وديع الصافي التي وصفها محمد عبد الوهاب بأنها «أجمل صوت في العالم». ولم يكن وسيماً بحيث يلعب دور الفتى الأول. كان رجلاً طيباً، انتقل من التدريس إلى الغناء على المسارح. وعندما اكتشفه «الأخوان رحباني»، اكتشفا أيضا دور البطولة الملائم له: لن يلعب في المسرحيات دور العاشق، ولا دور الفتى الأول، ولا دور الرجل المضحك: إنه مرة «المختار»، ومرة مندوب الوالي، ومرة الحاكم. ولكن دائماً الشخصية الأولى.

تحوَّل نصري شمس الدين إلى الشريك الأول في معظم أعمال الرحابنة، بينما حالت كبرياء وديع الصافي دون العمل معهم طويلاً. وهكذا، حُرم من عبقرية الألحان والموسيقى والشعر الجميل والإطار الرحباني الرائع، وفضَّل أن يغرد وحيداً على المسارح.
ظل نصري شمس الدين صورة أولى في الإطار الرحباني، وديعاً في الحياة الخاصة، متواضعاً في الحياة العامة، ومبتعداً عمّا يُعرف «بالجو الفني»، يعيش حياة عادية هادئة.
لم أنظر إلى نصري شمس الدين مرة كمطرب، أو فنان. ولم أحضره في «حفل خاص». بعكس وديع الصافي الذي حضرته عشرات المرات، كانت آخرها في منزله مع الصديق الساخر تريم عمران. ولكن كان ثمة شيء غريب في شخصية نصري شمس الدين. كان يفرض على الجلسات حضوراً «غير فني». حضور الصديق القريب، والخلّ الوفي الذي لا تجرؤ على أن تطلب منه أن يُسمعك أغنية. أقصى ما كان يذهب إليه أن يروي عادة نكتة كلاسيكية خالية من أي ملح أو بهار أو «زفرة». فلم يخرج أبدا عن خفر المدرِّس وعادات المدرسين. ولم يبدِ مرة غضباً أو عتباً، بينما كان وديع، برغم مكانته الأولى، مليئاً على الدوام بالعتب والشكوى. وكان يرى أنه لم يأخذ حقّه في الحياة. وقد طاف العالم العربي يقيم الحفلات ويعقد الاتفاقات، واكتفى نصري شمس الدين بالمسرح اللبناني، وبالتحديد، الرحباني. ومثل الرحابنة لم تكن له حدة سياسية، أو نزعات اجتماعية معينة. وكانت تساعده على هذه الصورة الطيبة ابتسامة طيبة وحاضرة، وخارج المسرح لم يكن ينزع ربطة العنق، أو يتخلى عن الأناقة المحافظة غير المبالغ فيها.
الجلسة معه كانت جلسة الأدب والشعر وأخبار العائلة. خلقه يملأ المكان، فلا يعود يتسع لأي شيء آخر.
إلى اللقاء..