كمال الذيب

الأزمة مع قطر.. أي أفق للحل؟

حاولت خلال الأسابيع الماضية فهم طبيعة الأزمة التي تعصف بالمنطقة الأكثر استقرارًا وتماسكًا في الوطن العربي. وهي منطقة مجلس التعاون الخليجي. حيث تأتي في قلب هذه الأزمة الجديدة الاتهامات الموجهة الى السياسة في دولة قطر الشقيقة من قبل عدد من اشقائها. والتي تم تلخيصها بشكل واضح ومعلن في عدد من الاتهامات الخطيرة، مدارها الرئيس «تمويل الإرهاب واحتضان جماعات وعناصر إرهابية، والتآمر على أمن واستقرار عدد من الدول العربية والتدخل في شؤونها الداخلية بالتمويل والتحريض السياسي والإعلامي».

وبقدر ما كنا نترقب ونتطلع إلى أن تزول غمامة هذه الأزمة في أقرب وقت ممكن، استنادًا إلى متانة العلاقة بين الأشقاء، من ناحية، وإلى ثقل ومتانة الوساطة الكويتية المقدرة على نطاق واسع من الجميع. وإلى استحالة استمرار الوضع على ما هو عليه لمدة طويلة. إلا أن الرد القطري على مطالبات أشقائها - كما هو منشور إعلاميًا - أبان بشكل واضح حالة من عدم الاهتمام بحل هذه الأزمة. من خلال مضمون هذا الرد وأسلوبه الذي يستهين بغضب الأشقاء، ويستخف به. ولا يقدم حتى بعض التراجعات أو يبدي بعض الاستعداد لقبول نوع من الحلول الوسطى، التي تشجع الوسيط الكويتي على بذل المزيد من الجهد لتقريب وجهات النظر وحلحلة الأزمة. وتجنب المزيد من التداعيات الخطيرة المحتملة. وذلك لأن من يريد حلاً، ومن هو حريص على المحافظة على ما هو جوهري في العلاقات، يفتح بابًا أو أبوابًا بالتعبير عن حسن النوايا وبالاستعداد للاستجابة الكاملة أو حتى النسبية للمطالب. هكذا تجري الأمور ضمن منطق السياسة..

هذا الوضع المعقد يطرح العديد من الأسئلة الحارقة من أهمها على الأقل:

- هل من المعقول أن تكون الاتهامات الموجهة إلى قطر من عدد من اشقائها من ذوي الثقل السياسي والمعنوي الكبير، وعرفت سياستهم بجديتها، هي فعلاً مجرد اتهامات جزافية وغير صحيحة، او تتضمن نوعًا من التجني مثلما أتى في الردود القطرية؟

- هل من مصلحة دولة قطر الشقيقة الخروج عن حاضنتها الخليجية، وعن دورها التقليدي في السياسة الخارجية، لتتحول بشكل واضح ومعلن إلى راع رئيسي للإسلام السياسي في المنطقة، والذي بات يثير قلق واحتجاج ومخاوف العديد من الدول الخليجية وجمهورية مصر العربية؟

- هل أن الحفاظ على الالتزامات العربية والخليجية كما هي مقررة في النظام الأساسي لجامعة الدول العربية أو في نظام الأساسي لمجلس التعاون الخليجي، يتعارض مع السيادة الوطنية؟ ألا توجد طريقة للموازنة بين الحفاظ على استقلالية القرار الوطني من ناحية، والالتزام بالعهود والاتفاقيات واتخاذ إجراءات حصيفة لبناء الثقة التي يتعين استعادتها لتهدئة قلق الأشقاء وتجنيب المنطقة المزيد من التوتر؟

- أي أفق لحل هذه الأزمة الخطيرة في ضوء إصرار الدول العربية المقاطعة لقطر على مطالبها، وإصرار قطر على رفضها جملة وتفصيلا؟

إن الأزمات مع الشقيقة قطر لم تبدأ اليوم كما هو معلوم، فهي تعود في بعض فصولها إلى تسعينيات القرن الماضي، ثم الى 2013، وإلى 2014م ثم إلى 2015م، وصولاً إلى 2017م، ضمن سلسلة من المشكلات التي أغضبت الأشقاء. وهذا يعني أن هذه الأزمة الجديدة لم تنشأ من فراغ، ولم تنفجر هكذا فجأة من دون مقدمات. حيث سبق التفاوض بشأنها أكثر من مرة. والتوسط لحلها أكثر من مرة. مما يؤكد أنها جدية ومقلقة. وليست مجرد ادعاءات. وأن عدم التزام قطر الكامل بمخرجات ما تم الاتفاق عليه في السابق، خاصة اتفاق الرياض، هو وراء اندلاع هذه الأزمة مجددًا. ولذلك فإن نفيها، والاستخفاف بها، فيه مكابرة غير مفهومة، كما فيه عدم الاعتمام بإزالة ما يقلق الاشقاء بشكل أدى إلى المقاطعة وقطع العلاقات وغلق الحدود.

ونعتقد في نهاية التحليل أن ارتباط السلطة في قطر، وبشكل علني بجماعة الإخوان المسلمين، ورعايتها وتمويلها لأنشطتها وتحريضها على عدد من البلدان العربية والتدخل في شؤونها الداخلية، هي مربط الفرس. والبقية تفاصيل. فقد منحت الثروة الضخمة دولة قطر الموارد اللازمة لتأدية دور تدخلي في عدد من الدول العربية (مصر - سوريا - ليبيا - اليمن - البحرين)، خاصة خلال فترة أحداث ما سمي بالربيع العربي. وبالرغم من الاحتجاجات المتكررة على هذا الموقف الذي يتجاوز التعاطف إلى التمويل والإيواء والتشجيع، فإن قطر لم تقم بمراجعة سياسة احتضان هذه الجماعة ودعمها بشكل مستفز، وتحريضها الإعلامي ضد عدد من الدول العربية، مما فاقم المشكلة وباعد بينها وبين أشقائها بشكل متصاعد أدى إلى القطيعة المكلفة سياسيًا واقتصاديًا واجتماعيًا.

السؤال الذي يطرح نفسه هو لماذا تفعل قطر ذلك وهي بلد مستقر ومزدهر، ويمتلك موارد هائلة تمكنها، من ان تكون مركزًا للاستقرار والتطور والتنمية؟ ولماذا اختارت قطر ان تكون - بالعكس من ذلك - منصة لدعم قوى الإسلام السياسي في الدول خاصة في مصر وسوريا وليبيا؟ وما هي مصلحتها في ذلك؟ وهل يمكن لقطر أن تستمر في لعب هذا الدور المستفز لجيرانها بوجه خاص، والحفاظ في ذات الوقت على طبيعة انخراطها مع الشركاء؟ خاصة في ضوء نفاذ صبر أشقائها الذين بات هذا الدعم يستفزهم أكثر فأكثر؟

مع تمنياتنا الصادقة بانجلاء هذه الأزمة وزوال الغمامة واستعادة وحدة الصف الخليجي والعربي، لمواجهة التحديات المشتركة، فإننا نعتقد أن على الشقيقة قطر أن تتجاوز إرث الربيع العربي، وأن تكف عن تدخلاتها ومحاولاتها التأثير على سيرورة الحياة السياسية في البلدان العربية. فليس هذا من مهامها ولا ينبغي ان يكون كذلك. وأن تترك أمر هذه البلدان لشعوبها وحكامها. وأن تستعيد وضعها الطبيعي في واسطة عقد دول مجلس التعاون والجزيرة العربية. أن تتخلى عن الدعم لجماعات الإسلام السياسي. وأن تترجم ذلك عمليًا، وهنالك العديد من الطرق التي يمكن من خلالها وضع حد إلى ما يقلق الأشقاء. ولما يثير حفيظتهم وغضبهم. إضافة إلى الحاجة للإعلان صراحة عن التوقف عن توجيه منصتها الإعلامية للإساءة إلى أشقائها او استفزازهم، وذلك ضمن التوجه العربي العام للإعلام الرسمي في الدول العربية. وفي نطاق الالتزامات المتبادلة في هذا المجال. 

وباختصار هنالك الكثير مما يمكن فعله من أجل استعادة الثقة المتبادلة، والحفاظ على كيان مجلس التعاون الخليجي وعلى استقرار المنطقة وازدهارها وتنميتها وعيشها بسلام. وأن الهروب إلى الأمام والبحث عن أفق آخر خارج الحاضنة الخليجية لن يفيد قطر عل المدى المتوسط والبعيد. كما لن يفيد المنطقة بشيء، بل من شأن استدعاء الخارج سوف يدخل المنطقة برمتها في دوامة أزمات لا متناهية.