ميسون الدخيل

﴿سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾ [الإسراء:1]، ألا تكفينا هذه الآية لتذكرنا بمكانة الأقصى في قلوبنا، في ديننا، في شرعنا، في إيماننا، في إسلامنا؟!

كلا فاليوم نجد وللأسف الشديد أن من بيننا من يحدد قيمة الأقصى حسب اعتبارات كثيرة، يدعون الله أن يفك أسره نعم، ولكن لسان حالهم يقول للمرابطين في القدس الشريف «اذهبوا أنتم وربكم فقاتلوا إنا ها هنا قاعدون»! عجيب! أشعلوا وسائل التواصل الاجتماعي بالحملات والدعاء والصور والمقاطع والشعارات حين كان الأمر يتعلق بحمص وحلب ودوما وغيرها من المدن والقرى السورية، ولكن حين يتعلق الأمر بالأقصى فهنا الأمر فيه «وجهة نظر» وتبدأ التبريرات والحجج وتبدأ عمليات التخلي والتنصل من المسؤولية!


منذ خمسين عاما والأقصى يتعرض لأشرس الهجمات التي لم تترك حتى الحجارة من تحته، منذ خمسين عاما والعدو يعمل بكل خبث ودهاء وصبر لتحقيق حلمه بهدم الأقصى وفي محله يقوم ببناء هيكله المزعوم، وفي كل مرة يتخطون بها خطا أحمر ينتظرون ماذا ستكون ردة فعل المسلمين، ويأتيهم الرد أن استمروا في التدنيس، استمروا في تشويه الحقائق، استمروا في التعدي وتدمير المقدسات! ولماذا؟! لأن الأمة الإسلامية خاصة العربية سئمت الشعارات واكتوت بالتخاذل حتى من نفس القادة الفلسطينيين أنفسهم، فإن كانوا هم منقسمون؛ عين على الكرسي وعين على السلطة، فكيف ينتظر من بقية العالم الإسلامي أن يقدم أي شيء غير الاستسلام والمطالبة بالسلام والتطبيع؟! هذا عذر يُمرر علينا لنصدق ونسكت ونعيش حياتنا بسلام، فلدينا أنفسنا يجب أن نعمل على تنميتها، ولدينا أسر وأطفال بحاجة لأن نربيهم! وتخرج إلينا من تقول: «أنا أكره الفلسطينيين فهم أكلوا من خيرنا وتنعموا بالأمن والأمان في بلدنا ثم تجدهم على صفحات التواصل الاجتماعي يسبون ويشتموننا»! ما أشطرنا في التعميم وما أشطرهم أيضا، فما أن خرج أحد الجهلة بمداخلة على أحد البرامج قائلا: «لن ننصر الأقصى» حتى اشتعلت وسائل التواصل الاجتماعي بالسب والشتم تتهمنا بالخيانة والخذلان والجبن بل منهم من أخرجنا من الدين كليةً! أن تحبوا بعضا أو تكرهوا بعضا ليس القضية فالله هو الرازق والله الذي يطرح المحبة في القلوب، لكن أن تتخلوا عن مسؤولياتكم تجاه أولى القبلتين وتنشغلوا بقتل العزيمة في النفوس أو بإشعال الفتنة وبث الكراهية هنا تصبحون جميعا في قفص واحد، ولسوف تحاسبون من واحد أحد!


نعم قالها وقد يكون منا وقد لا يكون، فمن يستطيع أن يثبت ذلك؟ ألا يمكن أن يكون ممن يريدون بث الفتنة وإشعال الكراهية بيننا؟ لنفكر قليلا، إن كانت هنالك نسبة حتى ولو واحد في المائة أنه ليس منا، أليس من العدل والموضوعية التأني والتدبر قبل أن ننساق خلف وسوسة الشيطان! المهم أن هنالك من خرج وبث السم وبصوت عال وهو يظن نفسه أنه على حق! ويبرر! بكل وقاحة وجهل يبرر أنه لن ينصر الأقصى بسبب «حماس» و«قطر»! من قال لك إن الأقصى لدولة أو حزب أو طائفة؟! يا قوم كيف نحاسب على الجهلة من بيننا؟! يا قوم نحن صبرنا على الكثير من تعديات جهلتكم، وقلنا في أنفسنا هم ليسوا العدو وما يخرج عنهم سوى ردة فعل لقلة المعلومات والتضليل والتعتيم، يا قوم لسنا أعداءكم كما أنتم لستم بأعدائنا، العدو الصهيوني كائن حي أمامنا يريد أن يفرق بيننا حتى يتم له ما يريد، ونحن في كل مرة بدلا من أن نصوب نحوه ذخيرتنا نستدير ويضرب بعضنا البعض! بالأمس استشهد محمد شرف ومحمد أبو غنام ومحمد لافي... كم محمد يا أمة محمد يجب أن يستشهد حتى نستيقظ ونتحد؟!
الأقصى في قلوبنا ومهما تحدث وبرر القلة من أنهم لا يرغبون في التأييد أو المساندة حتى ولو بـ«آمين» بعد الدعاء، نحن معكم يا أهلنا في فلسطين، لا تصغوا للأصوات الشاذة وأصحاب الفتن منا أو منكم الذين يسعدهم أن يُقطّع شريان الحياة الذي يربطنا، ونحن -ولله الحمد- كثر، فمنا من يرفع يديه لرب العزة طالبا نصركم وحمايتكم، لا يتوقف ليل نهار من الدعاء، يتحرى أوقات الاستجابة، ومنا من يقوم على البقاء على روح القضية بتثقيف نفسه وغيره دينيا وعقائديا وتاريخيا خاصة فيما يخص الأقصى، يتابعون الحدث وكل حدث وينشرونه في وسائل التواصل الاجتماعي، باللغة العربية وبغيرها، واضعين نصب أعينهم أهمية دورهم، ومقدرين تضحيات إخوة وأخوات يقدمون الأبناء في عمر الورد للشهادة، مقدسيون يؤذون ويؤسرون وهم في كل ساعة في كل دقيقة في كل لحظة مرابطون بعزيمة وإرادة وقوة تحمل أمة بأكملها، نحن معكم بكل الوسائل المتاحة لنا ندعم وبإذن الله تعالى لن نخذلكم، فحسبنا الله ونعم الوكيل نعم المولى ونعم النصير.