عاصم عبد الخالق


كثيرون فاجأتهم المعارضة العلنية العنيفة التي أبداها رئيس الوزراء «الإسرائيلي»، بنيامين نتنياهو، لاتفاق الهدنة في جنوب غربي سوريا، والذي أبرمه الرئيسان الأمريكي والروسي. إلّا أن المفاجأة الحقيقية كانت تجاهل الرئيسين، خاصة الأمريكي للموقف «الإسرائيلي» رغم علمهما به قبل إتمام الاتفاق.

القصة روتها صحيفة هآرتس «الإسرائيلية» قبل أيام، وجاء فيها أنه خلال الشهر الماضي أجرت «إسرائيل» مباحثات مع الإدارة الأمريكية لإبلاغها بمعارضتها للاتفاق المزمع. وفي هذا الإطار استقبلت، عدة مرات، اثنين من كبار المسؤولين الأمريكيين، هما بريت مكورك، المبعوث الخاص للحرب ضد «داعش»، ومايكل راتني، المبعوث الخاص لسوريا. 
قدمت «إسرائيل» خلال تلك المباحثات قائمة مطالب بشأن ما تريده. وعبّرت عن تحفظات حول بعض البنود. شملت المطالب ما عُرف، بعد ذلك، باسم الخطوط الحمراء التي تضمنها البيان الصادر عن مكتب نتنياهو بعد الإعلان عن الاتفاق. حدد البيان ثلاثة ثوابت تتمسك بها «إسرائيل» في أي اتفاق يتعلق بسوريا. أولها النص على إبعاد قوات إيران و«حزب الله» عن حدودها، بما في ذلك هضبة الجولان المحتلة، مع إبعاد نفس القوات عن الحدود الأردنية. المطلب الثاني هو ضمان عدم تأسيس وجود عسكري إيراني دائم في الأراضي السورية. أخيراً التأكد من منع وصول أسلحة متطورة إلى «حزب الله».
الصدمة التي تلقتها «إسرائيل»، على حد وصف الصحيفة، حدثت عندما حصلت على النص الرسمي للاتفاق لتكتشف أنه لم يتضمن أياً من مطالبها رغم أن نتنياهو تحدث هاتفياً مع الرئيس الروسي ووزير الخارجية الأمريكي عشية إعلان الاتفاق.
سندع تفسير ما حدث للأيام المقبلة وللتوضيحات الرسمية الصادرة عن موسكو وواشنطن، وكلتاهما أكدت الحرص على وضع متطلبات الأمن «الإسرائيلي» في الاعتبار. الأهم هو توضيح مبررات حالة التشنج التي تعاملت بها «إسرائيل» مع الهدنة. وقد يكون إحساسها بالإهانة لتجاهلها، على هذا النحو، من الحليف الأمريكي والصديق الروسي أحد أسباب ذلك. إلّا أن هناك دوافع أكثر واقعية تثير حفيظتها، وتدفعها للقلق.
الهدنة في هذه البقعة القريبة من حدودها أمر جيد لها على المدى القصير. لكن ما يقلق الدولة العبرية، هو ما يمكن أن يترتب على اتفاقيات الهدنة والمناطق الآمنة من ترسيخ حقيقة الوجود العسكري لإيران و«حزب الله» كأمر واقع. تريد «إسرائيل» أن تنص تلك الاتفاقيات على إخراج هذه القوات، أو على الأقل التأكيد أن وجودها حالة استثنائية لا يمكن أن تستمر عند التسوية النهائية.
وبالنسبة للاتفاق الأخير، ورغم أنه لا ينص على السماح بوجود قوات لإيران أو «حزب الله»، إلّا أنه لم يحدد آليات لإخراجها في حال تواجدها. فضلاً عن أنه لا يضمن تسللها للمنطقة. لا تخفي «إسرائيل» كذلك هواجسها من انفراد روسيا بمهمة مراقبة الهدنة. وليس سراً أنها لا تثق بموسكو، التي تقف في خندق واحد مع إيران و«حزب الله» دفاعاً عن نظام الأسد.
يتضاعف قلق «إسرائيل» عندما تستمع لمن يقرأ الاتفاق باعتباره حواراً غير مباشر بين أمريكا وإيران عبر البوابة الروسية، ولا يوجد ما يحول دون التوصل إلى تفاهمات أخرى بنفس الطريقة في المستقبل، وهو احتمال يثير فزع الإسرائيليين. 
من الناحية العسكرية يصب الاتفاق في صالح إيران، لأنه يمنحها مع «حزب الله» استراحة لالتقاط الأنفاس بعد الفشل في السيطرة على درعا عدة مرات. وتتيح لها الهدنة أيضاً التركيز على أهداف أهم مثل دير الزور، وهي حجر الزاوية لمشروعها المزمع بإقامة ممر بري إلى سوريا عبر العراق، وصولاً إلى لبنان. 
هنا قد تحدث مقايضة حتى من دون تفاوض بين واشنطن وطهران، بمقتضاها تتخلى إيران ونظام الأسد عن استعادة درعا، ويضمنان نجاح الهدنة، بينما تتفرغ واشنطن لمعركة الرقة. في المقابل يتغاضى الأمريكيون عن العمليات الإيرانية في دير الزور والغوطة الشرقية. يفسر هذا جانباً من أسباب اللوثة التي أصابت نتنياهو، ولم يبرأ منها بعد.