تمارا جمال الدين

لا يختلف اثنان على أن واقع الإعلام في لبنان مرير للغاية، حيث تخوض القنوات الإعلامية بمختلف أنواعها حرب باردة يومية، فتعتبر منابر سياسية ناطقة باسم مموليها من أصحاب القرار السياسي في البلاد، وتمارس هذه الوسائل دورا ترويجياً للأحزاب والتيارات وأجنداتها السياسية والآيديولوجية، أكثر من الدور الإعلامي. وفي مواجهة لهذه الحالة المرضية المتفشية في معظم الصحافة اللبنانية، جاءت «صحافة السلام» عبر منظمة إعلام للسلام، لتستعيد دور الإعلام الحقيقي، وتسعى للتغيير عبر نشر أسس الصحافة المحايدة، ومبادئ السلام، في بلد يفتقد الأمان منذ عقود من الزمن.

غالبا ما تلعب وسائل الإعلام عموما، والصحافة خصوصا دورا مهما في تأجيج حمى النزاعات بمختلف أشكالها ودرجاتها، بل غالبا ما تتهم هذه الوسائل بأنها المسؤولة عن سفك دماء الأبرياء، وجر البلدان إلى سوح المعارك، لكتابة مآس جديدة تضاف إلى سجل الماسي التاريخية، خاصة في لبنان. فبداية، ما معنى «صحافة السلام»؟

يفيد الأستاذ المساعد لآداب الاتصال في كلية الآداب والعلوم السياسية في جامعة بارك الأميركية ستيف يونغبلود، أن صحافة السلام هي إعطاء الصوت لمن لا صوت له، لافتا إلى أن الإعلامين الغربي والعربي غير حياديين، «إن الإعلام الأميركي ضحية للإعلام التقليدي، ويعتمد على العنصر والجنس، وهناك نظرة عنصرية للأميركان (السود) من جهة الإعلام، كما يتناول الإعلام اللبناني اللاجئين السوريين بطريقة مغلوطة وغير منصفة، فكل طائفة تمتلك محطة تلفزيونية جعلتها المنبر الناطق باسمها، والمحرك لجماهيرها، مستغلة بأسلوب سلبي مساحة الحرية التي يكفلها الدستور».

ويؤكد يونغبلود أنه كثيرا ما تلعب وسائل الإعلام دورها المشهود في تأجيج وشحن الأوضاع، وصب الزيت على نيران الصراعات، فيجب أن نعمل على انتشار ثقافة صحافة السلام التي تحمل في سطورها الكثير من المياه لإطفاء النيران المتعاظمة بنقل الحقائق كما هي، دون انحياز لطرف على حساب الآخر، وعدم التلاعب بعواطف الجماهير من خلال استخدام كلمات عاطفية مثل «مأساة» أو «أبرياء» في سبيل تحقيق الفوز والحسم.

ولنلقي الضوء أكثر على مفاهيم صحافة السلام، قمنا بطرح عدة أسئلة على مؤسسة ورئيسة منظمة إعلام للسلام في لبنان، الآنسة فانيسا باسيل:

* بداية، ما مفهومك لصحافة السلام؟

- صحافة السلام مفهوم قديم وجديد معا، بدأ في أوروبا وأميركا وتحاول منظمة إعلام للسلام نشر مبادئه في لبنان ومنطقة الشرق الأوسط. صحافة السلام فكرة، وطريقة تتبع بتغطية الأخبار والأحداث. هي مدرسة في الصحافة تتخصص في تغطية النزاعات والحروب بشكل محايد وموضوعي، حيث يحاول صحافيو السلام التخفيف من حدة الأزمات والمواقف، عبر نقل الأوجه الإيجابية للأحداث مهما كانت.

صحافة السلام تعنى بتفسير أسباب النزاع، وليس بتغطية النزاعات فحسب. هي تغطية إيجابية، حساسة، وبناءة قدر الإمكان.

* ما هي «منظمة إعلام للسلام» أو «ماب»؟

- «ماب» منظمة شبابية غير طائفية وغير سياسية، وهي الأولى من نوعها في لبنان والشرق الأوسط وشمال أفريقيا كمنظّمة متخصصة في العمل على مفهوم صحافة السلام.

تكوّنت مجموعة صحافيي السلام من المشاركين في ورشتَي العمل التدريبيّتَين عن صحافة السلام، اللتين نظّمتهما رئيسة المنظمة فانيسا باسيل في أبريل (نيسان) 2011 و2012، وساهم في تأسيسها إلى جانبي مجموعة من صحافيي السلام الشباب اللبنانيين الذين جمعهم همّ تداعيات التغطية الإعلاميّة على السلم الأهلي في لبنان، والذين استوحوا اسمها من تعريف صحافة السلام: «صحافة السلام كمقاربة تمنح خريطة طريق جديدة ترسم الروابط بين الصحافيين، مصادر معلوماتهم، الأخبار التي ينقلونها وتداعيات تغطياتهم، وأخلاقيات التدخل الصحافي».

كما أننا نعمل على نشر أسس السلام بشكل عام، وننطلق منها للتعمق أكثر بربط السلام والصحافة معاً.

* خريطة العمل

- تحاول «ماب» بناء وتعزيز قدرات الصحافيين عبر توجيههم وتدريبهم على أسس التغطية بحيادية وإيجابية. وتقوم المنظمة بعملها عبر تنظيم ورش عمل ومؤتمرات تتمحور حول مفهوم صحافة السلام، وطرق تطبيقها خاصة في لبنان. كما أن «ماب» تقوم بحملات مناصرة في الجامعات والمعاهد وضمن مؤسسات إعلامية عدة، كما وتتعاون مع أساتذة صحافة وعمدة كليات إعلام، ذلك لنشر رسالتها بشكل واسع وعملي.

* ما آخر نشاطات المنظمة للترويج لهذه المبادئ، وماذا ينتظركم؟

- لـ«ماب» نشاطات عدة على مدار السنة، أبرزها ورشة العمل السنوية التي تعرَف متدربين ومشاركين جدد على أسس ومفهوم صحافة السلام، وتسمح لهم بالاختلاط مع صحافيين ومدربين ومختصين في مجال التواصل والإعلام. وأقامت المنظمة هذه السنة ورشة العمل السنوية تحت عنوان: «تغطية اللجوء السوري في لبنان» حيث درس الحضور طريقة التغطية التي قامت بها معظم القنوات الإعلامية اللبنانية، كما قمنا بتدريب المشاركين على الأسس المثلى التي يجب أخذها بعين الاعتبار عند تغطية أزمات مماثلة. فهذه الأزمة تتطلب الوعي من قبل اللبنانيين والسوريين على حد سواء، لأنهما معا معنيان بالنزاع.

ونسعى من خلال عملنا إلى توسيع نشاطاتنا لتطال العالم العربي أجمع، حيث إن لـ«ماب» علاقات ونشاطات متعددة مع منظمات شبابية وإعلامية في أوروبا وأميركا. فهدفنا هذه السنة الوصول إلى شباب العالم العربي، والتعاون مع مؤسسات ومنظمات عربية. أما في لبنان، فهدفنا الوصول إلى عدد أكبر من الصحافيين والعاملين في مجالات الإعلام المختلفة، بغية تثقيفهم حول فكرة صحافة السلام، وكيفية تطبيقها.

* النزاع مقابل العنف

أضافت باسيل أن: «المشكلة في مناطق الشرق الأوسط عموما، ولبنان خصوصاً ليست بالنزاعات، فالنزاع أمر طبيعي وجزء أساسي من حياتنا اليومية. أما المشكلة الحقيقية هي في طريقة تعاملنا مع هذه النزاعات».

وأكملت قائلة: «علينا التعامل مع النزاعات بطريقة بناءة، وخالية من العنف. وهنا، أشير إلى أن العنف لا يُختصر بالنزاعات المسلحة فقط، بل هناك عنف معنوي وثقافي واجتماعي يمارس علينا يوميا».

والسؤال البديهي الذي يبقى عالقاً في أذهاننا، هل من مكان حقيقي لـ«صحافة السلام» اليوم ضمن المشهد الإعلامي اللبنانيّ؟ الجواب الموضوعي أنّ ذلك صعب للغاية، فافتتاحيات الصحف، كما مقدّمات النشرات الإخبارية، تضجّ بـ«البروباغندا» السياسية، التي تخدم مصالح مالكي هذه المؤسسات من مختلف الأحزاب والتيارات. وغالباً ما ينجرف كثيرون من الصحافيين اللبنانيين وراء السبق الصحافي خلال النزاعات الداخلية، متناسين أن كل مكاسب الصراع، أي صراع، ستصب عاجلاً أم آجلاً في مصلحة كبار المسؤولين، ليس إلا. فهم من سيزداد مالاً وشهرة ونفوذا، ويبقى المواطنون، بكل اختصاصاتهم ومهنهم وقدراتهم، أداة لتحقيق هذه المصالح. ومع هذا، ثمة ظلال من الأمل، فما زال هناك صحافيون يتمسّكون بقيم السلام واحترام حقوق الإنسان والحريات الإعلامية، التي لا تنفصل عن أي حرية أخرى ذات وجهين متكاملين، هما الحق والواجب، وهم ينضوون اليوم تحت راية «منظمة إعلام للسلام».