حسن عبدالله جوهر 

الجريمة، بحكم الشريعة والدستور والقانون، فردية، مهما عظمت، ولا تزر فيها وازرة وزر أخرى، ومع ذلك نجد المجتمع يضرب عرض الحائط بهذه القيم والقواعد، وقد تقمص بعض أفراده وفق قناعاتهم الشخصية وميولهم الخاصة شخصية المدعي العام في ادعاء القصاص وسحب الجناسي ومنح أوسمة الولاء لبقية فئات المجتمع.

حالات الاحتقان الشعبية إلى درجة الانفجار ليست بجديدة، وإن ركبت موجة خلية العبدلي هذه المرة، في سياق مستمر على النار المتوهجة خلف الشاشات الصغيرة وأجهزة النقال اليدوية، وحجم هذا الاحتقان المصحوب بعاصفة من عبارات الغضب والشتائم والتخوين في مقابل اللعب على وتر منح صكوك الولاء والوطنية يمزق النسيج الكويتي إرباً إرباً دون أن يراعي النافخون في هذه النار النتائج الوخيمة والآثار الكارثية لمثل هذا الاندفاع القائم على التعصب والاصطفاف بكل أنواعه.

الأحكام النهائية الصادرة من محكمة التمييز يفترض أنها طوت صفحة قضية العبدلي وأصدرت قرارها بإدانة المتهمين فيها على عكس حكم "الاستئناف" الذي برّأ ساحة بعضهم، وهذا بحد ذاته أعطى كل فريق من المتعاطفين مع المتهمين أو المؤيدين لحكم الإدانة أسلحة الدفاع والهجوم المتقابل، الأمر الذي من شأنه إطالة أمد الحرب الإعلامية وجعلها تدور في حلقة مغلقة ومتكررة في الدوران.

المشهد الدرامي الذي نواجهه اليوم كرأي عام هو ذاته فيما يتعلق بالجرائم المهددة للأمن الوطني وخرق القانون وصدور أحكام قضائية نهائية بشأنها مع تغيير معاكس في مواقع التهمة والهجوم، أي بمعنى آخر فإن الشيعة هم اليوم في قفص الإدانة، وما يتبع ذلك من تشهير وتشفٍّ وتحريض على عموم الطائفة مثلما كان السُّنة في هذا القفص قبل عدة شهور، وقد سبقهم في ذلك أبناء القبائل إبان الحراك الشعبي، ولاقى الجميع من قبل خصومهم طائفياً أو عرقياً السيل ذاته من التشفي والتعميم وتهم الخيانة على العموم، وفي هذا السياق سوف تدور الدوائر من جديد على نفس الفئات في المستقبل لتستمر معها هذه الدوامة التي لا تخدم سوى التشكيك في الولاءات وشحن النفوس والعواطف ضد أبناء هذا المجتمع.

إن الجريمة، بحكم الشريعة والدستور والقانون، فردية، مهما عظمت، ولا تزر فيها وازرة وزر أخرى، ومع ذلك نجد المجتمع يضرب عرض الحائط بهذه القيم والقواعد، وقد تقمص بعض أفراده وفق قناعاتهم الشخصية وميولهم الخاصة شخصية المدعي العام في ادعاء القصاص وسحب الجناسي ومنح أوسمة الولاء لبقية فئات المجتمع، ولكن ما لا يدركه هذا المجتمع المتشنج والمحبط بكل أشكال الهموم والابتلاءات اليومية هو سبب مثل هذه السيناريوهات المتكررة والمتشابهة إلى حد التطابق بين فترة وأخرى.

حالات هروب المتهمين والمدانين وخروجهم بعد صدور الأحكام القضائية أصبحت واقعاً ينطبق على الجميع وفي مختلف أنواع الجريمة، بما فيهم جرائم أمن الدولة وتهم الأموال العامة، والهاربون من قبضة العدالة هم من جميع أطياف المجتمع.

إضافة إلى ذلك، فإن الأخبار والتفاصيل الخاصة بالقضايا الأمنية الحساسة دائماً تأتي من التسريبات الصحافية أو تغريدات المغردين، دون أن تعلنها الحكومة بشكل رسمي، ولكن بعد تفجر مثل هذه المعلومات على هيئة فقاعة كبيرة تبدأ الحكومة في استعراض قوتها والمزيد من الاعتقالات ونشر الصور وتوالي البيانات الرسمية، وهذا ما يساهم في المزيد من التوتر والتهييج والاصطفاف وتقسيم المجتمع إلى فئة تستشعر أنها مظلومة ومستهدفة وفئات ترى فيها كل أنواع القبح والخيانة.

قضية "العبدلي" كغيرها من القصص الكثيرة سوف تصغر يوماً بعد يوم، ولكنها آتت أكلها بالمزيد من الشرخ الوطني، وسوف تظهر لنا قضايا أخرى في المستقبل حتى يستمر هذا الشرخ وتستمر معها جراحات هذا البلد وأهله إلى ما لا نهاية، بينما تبقى مشاكل البلد الكبرى واختلالاتها على جراحات الناس وهم يأكلون ببعضهم البعض!