فاتح عبد السلام 

دقت الأبواق غيرَ مرة عالياً.

السفينة امتلأت في العراق ، صعد إليها كل مَن هبّ ودبّ ، سياسيون من كل الاحجام والألوان والسلالات الحزبية. السفينة امتلأت حتى يخيل للمرء انها من ثقلها تتصدع أو تغرق. صعد إليها كل ذي غاية في الوصول الى السلطة ، كلهم صعدوا مثنى وثلاثاً ورباعاً، زرافات وفرادى .عيون الجميع تتجه نحو دفة السفينة لقيادتها .

لم يسأل أحد أحداً إن كان المتسابقون نحو المقود يجيدون السياقة أم لا ، حتى لم يعد هذا السؤال يخطر على بال أي منهم .حين يقترب موسم الانتخابات ،نرى سفناً أخرى أصغر حجماً تتلألأ براياتها وصولجاناتها بجانب السفينة الكبيرة الوحيدة ، ويبدأ هؤلاء يتقافزون من السفينة الكبيرة نحو السفن الصغيرة، منهم من يقفز وينسى متاعه خلفه ، ومنهم يرمي متاعه على أمل اللحاق به لكنه لا يوفق فيمكث بسفينة ومتاعه في سفينة أخرى . وبعضهم يضع رجلاً في هذه ورجلاً في تلك ، وحين يطول الوقت به ويشعر انه تخوزق ،يضطر الى القفز الى إحدى السفن من دون التفكير بالعواقب . في خلال عقد من الزمان كان بعض الشعب يميل حيث تميل هذه السفينة أو تلك وهم يشهدون لعبة التقافز بالمتاع ومن دونه . غير انّ اليوم ، نجد اختلافاً كبيراً في المشهد ، نرى الشعب في مكان بعيد منفصل عن السفن وراكبيها، حيث الشعب مغروس في مشاكله التي تبدأ بالماء الصالح للشرب ونسمة الهواء الآتية مع التيار الكهربائي ولاتنتهي عند الخوف من الاغتيالات التي تسير على وفق تصنيفات أعمال الناس ، وهي اليوم تختص بالأطباء وتأخذ بطريقها اعلاميين ، وغدا لا أحد يعلم ستصيب مَن.ركّاب السفينة يتشائمون من راكب جديد ، بالرغم من انهم بقوا سنوات طوالاً ينادون على هذا وذاك أن يركبوا معهم محذرين من الطوفان وان من لا يركب معهم فإن مصيره مجهول ولعله عدو لهم في التصنيف . لكنهم الآن يشعرون ان السفينة لا تتسع لمن يتطلع الى دفة الربان ، وربما يسمح للنادلين والعتّالين والطبّاخين والحرّاس بالصعود ،فهؤلاء أمينو الجانب، لاطموح لهم أكثر من اشباع بطونهم .كلّ ما خطط له ركّاب هذه السفينة مرسوم بدقة ، وكانوا واثقين من الوصول الى الضفة الاخرى بهذه الامكانات الهائلة الواردة من المحيط الدولي والاقليمي ، لكن لم ينتبهوا الى أمر واحد ، وهو ان السفن الكبيرة والصغيرة لا تزال على الرمال ولم تنزل البحر بعد .المشكلة ، ان بعض الراكبين منذ زمن الحاكم الامريكي للعراق بول بريمر في السفينة كانوا يرمون أوساخهم و فضلاتهم ويفعلون (مكسراتهم) داخل السفينة مطمئنين الى ان المجاري تؤدي الى البحر الواسع ،وسيضيع في أعماقه كل شيء .