عبدالعزيز الزغيبي 

باتت العملات الافتراضية ملاذا لأصحاب الأعمال المشبوهة ومرتكبي الجرائم الإلكترونية وتجار المخدرات وقضايا الفساد، بعد أن أظهرت عمليات القرصنة الإلكترونية التي حدثت أخيرا عبر فيروس الفدية إصرار مرتكبي هذه الجرائم على تحويل الأموال بالعملات الافتراضية.


وأرجع محللون سبب لجوء مرتكبي الجرائم الإلكترونية وحتى مبيضي الأموال لهذه العملات، إلى صعوبة تتبعها وغياب المركزية لها وانتشارها الواسع، إضافة إلى ميزة جديدة أضيفت لها وهي قبولها كعملة دفع لدى أكبر المتاجر الإلكترونية.
واللافت أن متاجر وشركات كبرى بينها مايكروسوفت قبلت التعامل بالعملة الرقمية وسهلت للعملاء الشراء عبر أرصدتهم من عملة "البتكوين" رغم أن كثيرا من الدول لا تزال تحظر تعاملاتها.
ويؤكد المحلون أن بعض المنظمات الإجرامية ابتكرت طريقة المقايضة بالدولار وهي تعتمد على استبدال أرصدة الأموال الرقمية التي تم الحصول عليها بطرق غير مشروعة عبر الاختراقات الإلكترونية أو الاحتيال بدولارات من أشخاص يرغبون في المضاربة بعملة "البتكوين".
وهنا، قال لـ "الاقتصادية" علي العمراني؛ رئيس قسم التكنولوجيا والتطوير في أحد المصارف السعودية، إن العملات الرقمية وعلى رأسها "البتكوين" أصبحت ملجأ لغسل الأموال مجهولة المصدر من قبل منظمات تسعى لإخفاء مكاسب جرائمها عبر عملة غير خاضعة للرقابة الأمنية، كما أن استخدامها في التحويلات المالية من قبل المتعاملين يشبه التهرب الضريبي الذي يعد جريمة في قانون عدة دول، إضافة إلى التملص من الالتزامات المالية تجاه الدولة.
وأوضح، أن عملة "البتكوين" بصيغتها الحالية تجعل منها عملة غير صالحة للاستخدام أو الاعتماد بسبب فقدانها المركزية والتتبع، موضحا أن غياب وسائل المحافظة على سعر العملة يفقدها جوهر العملة الرسمية ولأنها غير مستقرة وغياب الإدارة المركزية لها يجعل منها غاية في الخطورة، وهي لا تدعو للتفاؤل كونها أداة مضاربة بسبب غياب التحكم عليها.
من جهته، أوضح لـ "الاقتصادية" محمد الشميمري؛ المحلل المالي والمختص في تداول العملات الرقمية، أن المشاكل والمخاوف التي تدور حول العملات الافتراضية تكمن في عدم قدرة الجهات التنظيمية الوصول إلى حزمة من الإجراءات الضابطة لعملها وغياب التشريعات المنظمة لها، ما يؤدي إلى صعوبة تتبعها، الذي بدوره جعل من العملات الرقمية بيئة جاذبة وملجأ للمجرمين والباحثين عن الثراء بطرق غير شرعية.
وأضاف، أنه وفي ظل اعتراف بعض الدول الكبرى كسويسرا والصين وأمريكا بالعملة الرقمية، دأبت الجهات المختصة في تلك الدول في العمل على اكتشاف العمليات التي تتم عبر الشبكة في محاولة لحصر الأطراف القائمين على تلك العمليات، وبالتالي القدرة على الحد من عمليات الاحتيال وغسل الأموال وتمويل الأعمال المشبوهة، مضيفا أنه بالفعل تمت إقامة عدة قضايا في المحاكم الأمريكية ومحاكمة متورطين ثبت تورطهم في أعمال مشبوهة باستخدام العملة الرقمية.
وأبان أن العملة فرضت نفسها بقوة ولعل ارتفاع قيمتها لأكثر من ثلاثة آلاف دولار دليل على أن الحل لمنع تبييض الأموال وتمريرها للأفراد والجهات الإجرامية ليس في منع العملة نفسها، إنما في تنظيم عملها، فالمشكلة الأساسية هي تنظيمية تشريعية، لافتا إلى أنه بمقارنة نسبة الأعمال التجارية التي تمت بواسطة العملة بالأعمال الإجرامية وغسل الأموال، يتبين أن الكفة ترجح إلى الاستخدام الأمثل والإيجابي لها.
من ناحيته، فند لـ "الاقتصادية" مصرفي سعودي مسؤول عن قسم تداول العملات، شائعات الاعتماد الدولي للعملة، لصعوبة تقفي أثرها وغياب غطاء البنوك المركزية لها، عدم وجود قيمة فعلية للعملة أو أصول لها.
وقال المصرفي - فضل عدم ذكر اسمه -، إن سكوت المنظمات الدولية أمر خاطئ خصوصا بعد الحادثة الإجرامية الأبرز التي شهدها العالم وتمت فيها قرصنة عديد من الأجهزة وتشفير كم هائل من المعلومات وطلب تعويضات بعملة "البتكوين" الرقمية مقابل فك التشفير وارجاع المعلومات، متوقعا أن تصدر تشريعات تقضي بإيقافها وتحجيمها.
وحول ارتفاع سعر العملات الرقمية إلى مستويات كبيرة، ذكر المصدر أن هذا الارتفاع لا شك تعقبه انتكاسه قوية مستشهداً بالتذبذب الكبير الذي تشهده العملة منذ نشأتها إلى الآن وعدم استقرارها عند رقم معين، محذراً في الوقت ذاته من الاستثمار فيها كونها غير محكومة لثقل البنك المركزي وأنها التوجه الجديد لتمويل الأعمال المشبوهة وستار للإجرام.
ويقال عن العملات الرقمية و"البتوكين" تحديداً بين أوساط المحللين الماليين حول العالم أنها مغرية جداً ومحفوفة بالمخاطر، مراقبين من كثب للتطور السريع والانتشار الواسع غير المبرر الذي تحققه من خلال منصات التداول الخاصة بالعملات الرقمية وبين أوساط المستخدمين لها خصوصاً.
ولعل هذا ما يفسر السبب وراء قفز قيمة "البتكوين" الواحد مقابل الدولار نحو 2900 دولار وارتفاع قيمتها السوقية إلى أكثر من 37 مليار دولار، بحسب موقع ياهو فاينانس.
وهناك من وجد التجاهل الدولي تجاه هذه العملات، فرصة ذهبية لتبييض أرصدتهم من الأموال الرقمية وتحويلها إلى نقد كعملية غسيل للأموال الرقمية بعد أن كانوا يواجهون إشكالية تحويلها لنقد أو الاستفادة منها فعلياً، وذلك عبر عدة طرق بالشراء المباشر للسلع عبر المتاجر الإلكترونية أو المقايضة بعملات نقدية عالمية أشهرها الدولار.
ومازالت دائرة الأعمال والجرائم الإلكترونية تأخذ طريقها بالتوسع في ظل تنكر البنوك المركزية والجهات الرقابية عالمياً لتلك العملة والتقليل من شأنها وأهميتها، ما جعلها فرصة ذهبية للقائمين على تلك الجرائم منظمات كانت أو أفرادا للاستفادة بأكبر قدر ممكن قبيل التفات المنظمات العالمية لتتبع مصدر تلك الأموال والحد من تأثيرها.
وتأكيدا على ذلك، وجد القائمون على فيروس "واننا كراي" طريقهم لشن عملياتهم وضرب الأنظمة الإلكترونية لمئات الدول وتضرر أكثر من 200 ألف ضحية في 150 بلدا بلا خوف وبثقة عالية، مطالبين بفدية لفك التشفير عن المعلومات وإرجاعها، شريطة أن تكون بعملة "بيتكوين" وبمبلغ يعادل 300 دولار، ما يعزز فكرة النقاد أن العملة الرقمية ستصبح مرتبطة بكل جريمة إلكترونية مستقبلية. وبخلاف العملات التقليدية كالدولار واليورو، فإن "بتكوين" تعتمد على الحسابات الرياضية وليس معيار الذهب والفضة، ويستخدم عملاء "بتكوين" برمجيات مختلفة لحساب قيمتها.
وجعل انتشار استخدام العملة الرقمية، شركتا "جوجل وياهو" تقومان بإضافة ميزة جديدة إلى خدمتيهما الماليتين، تتيح للمستخدمين الاطلاع على قيمة العملة الرقمية “بتكوين” مقابل باقي العملات العالمية.
ورغم أن عملة "بتكوين" لا تزال مثيرة للجدل، إلا أن “جوجل” و “ياهو” تسيران من خلال هذه الخطوة الجديدة، في طريقهما إلى الاعتراف بها، حالهما حال شركة “مايكروسوفت”.