أحمد المرشد

كأنني أنتظر لقاء حبيبة، وأتلهف لموعد اللقاء بعد طول غياب واشتياق لرؤيتها، أشعر بنفس الأحاسيس مع قرب قدوم ذكري ثورة 23 يوليو، ومن فرط اشتياقي لها أود الكتابة عنها طول العمر وليس مرة واحدة في السنة، فتلك الثورة العظيمة على المنطقة بكاملها، لها تأثير طاغٍ على تكويني السياسي حتى وإن لم أعاصرها مولدًا ولكني عاصرتها فتىً وشابًا وإعلاميًا..

وإذا كنا نتحدث عن ثورة يوليو، تلك الثورة الخالدة التي لا تزال تلهب خيال المبدعين والأدباء للكتابة عنها دراميًا، والسياسيين الذين يتناولونها بالتحليل السياسي والاقتصادي والعسكري والاجتماعي، ليس على مستوى مصر فقط وإنما يمتد هذا التأثير على الدول العربية والإفريقية والآسيوية وأمريكا اللاتينية، فلكم كان لها دور بالغ في تنوير شعوب العالم ضد المستعمر الغربي، فكانت الثورة ومفجرها الزعيم الخالد جمال عبد الناصر هما ملهما كل الشعوب، ويكفي أن صورة ناصر لا تزال تتزين بها الجدران حتى يومنا هذا، ولم لا؟ فهو الرجل الذي يستحق لقب «أعظم ثوار التاريخ الحديث».


وإذا قلت في البداية، إني أنتظر الثالث والعشرين من يوليو من كل عام لكي أكتب عن حبيبتي «ثورة يوليو الخالدة»، فهذا لكي أعيد ذكرياتنا مع جمال عبد الناصر، الذي دفع الإنسان العربي ليكون شامخًا، قويًا، راسخًا على الأرض التي يقف عليها، فالإنسان العربي ارتفعت هامته عاليًا لتعانق السماء بسبب الثورة، كما بني الإنسان العربي كيانًا ضخمًا له بفعل الثورة، إنه الكيان الذي شيد له عبد الناصر الأساس والأعمدة. إنها ثورة يوليو أعظم ثورة في تاريخنا الحديث، لما أفرزته من تحولات استراتيجية على مستويات عدة، مصرية وعربية ودولية وإقليمية.
عندما أتحدث عن حبيبتي السياسية لو جاز لنا صك هذا التعبير أو الوصف، أقول إن ثورة يوليو هي الضوء الذي بنى عليه المصريون طريقهم ومستقبلهم، وهي البداية التي اعتقتهم من ظلم الاستعمار (العلوي والعثماني والبريطاني)، فكان موعدهم في فجر الثالث والعشرين من يوليو 1952 مع الغد الذي أنار لهم الطريق وليحققوا آمانيهم.. فالثورة كانت بداية حلم المصريين وصنعوا منها شخصيتهم القوية التي ألهبت شعوب العالم فيما بعد، فثورة يوليو هي الثورة التي جعلتهم يمتلكون الإرادة الوطنية الخالصة وبناء قوة ذاتية تلبي احتياجات الحاضر وتتواءم مع طموحات المستقبل وتستنهض الهمم لضمان غد أفضل.
وأنا أتحدث عن ملهمتي السياسية، أقول إن ثورة يوليو ستظل من أهم محطات التاريخ لمصر والعرب والعالم، وإذا كنا تحدثنا عن التاريخ ومحطاته، فطبيعي أن يجرنا الحديث عن كاتب هذا التاريخ وهو الزعيم جمال عبد الناصر، باعتباره من أهم صانعي التاريخ، رغم أن بعض كتّاب الدراما ظلموه مؤخرًا فيما كتب وتحديدًا في مسلسل «الجماعة» حيث صوره عضوًا في جماعة الإخوان وأحد المنتمين إليها قبل الثورة، في حين أن عبد الناصر ورفاقه أعضاء تنظيم «الضباط الأحرار» وباعتبارهم ينتمون للمؤسسة العسكرية المصرية الشامخة، يدركون مدى خطورة انخراطهم في تنظيم ديني اعتبرته الدولة المصرية آنذاك تنظيمًا محظورًا، ولكن لا مانع من أن يتعاون عبد الناصر مع الإخوان باعتبار أن هدفه هو تحقيق الاستقلال لمصر، وبالتالي تتوحد الأهداف، ولكنه أبدًا لم يكن عضوًا بهذا التنظيم الديني الفاشي.
إنها ثورة العظماء، ومن حقنا أن نفخر بإنجازات هؤلاء العظماء الذين حطموا قواعد الاستعمار في كل أنحاء العالم، هذا الاستعمار الذي أراد إعادة كتابة التاريخ وإعادة الأمور الى الوراء، فكانت المؤامرات الكثيرة ضد مصر التي واجهت حروب عدة علي كافة المستويات، عسكرية واقتصادية وسياسية، مثل حرب السويس وما تلاها من حرب يونيو 1967، ناهيك عن حروب نفسية صعبة لحصار مصر، ولكن القيادة المصرية والشعب المصرية لم يستسلما لكل هذه الحروب النفسية، وظلت هامة عبد الناصر عالية، وكذلك مصر الدولة العظيمة لم تنحنِ هامتها وواصلت المسيرة.
وقد نذكر فقط ببعض إنجازات الثورة في بناء السد العالي الذي نشر الخير والرخاء والضوء في مصر، وتأميم قناة السويس ليعود خيرها الى المصريين بعد أن كان لشركات بريطانية وفرنسية فقط. وجميعنا يتذكر كم كان لقرارالتأميم من مخاطر جمة تعرضت لها مصر، ولكن قيادتها بزعامة جمال عبد الناصر تصدت لكافة المؤامرات الدولية والإقليمية، ليكون السد العالي وما تلاه من مشروعات عملاقة شاهدًا على نجاح تأميم قناة السويس.
وربما نربط الماضي بالحاضر، ونذكر الجميع بأن ثورة المصريين في الخامس والعشرين من يناير 2011 ركزت على مطلب العدالة الاجتماعية، ومن هذا المطلب نعود الى الماضي ونستحضر من التاريخ مبدأ مهم من مبادئ ثورة يوليو الستة، وهو إقامة عدالة اجتماعية، أي إن المصريين وبعد حوالي 60 عامًا من ثورتهم على الاستعمار يعودون وينتفضون لتحقيق نفس المبدأ.. ثم نتذكر المبدأ الأول للثورة وهو بناء جيش وطني قوي، كان في البداية لحماية الحدود والأمن القومي المصري، ولكن هذا الجيش امتد عمله ليكون الدرع الواقي للأمة العربية وسيظل التجسيد الحقيقي لحماية الأمن القومي العربي.
ولعل ما يربط بين يوليو 1952 ويوليو 2017 ومع هذا الفارق الزمني الذي يصل الى 65 عامًا، وارتباطًا بالمبدأ الذي ذكرناه عن بناء جيش قوي، هو افتتاح القيادة المصرية قبل أيام وبحضور قيادات خليجية رفيعة من بينها صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن حمد بن عيسى آل خليفة ولي العهد حفظه الله ورعاه، قاعدة «محمد نجيب العسكرية» في الإسكندرية، وتعد الأكبر في الشرق الأوسط وإفريقيا، فهذا الصرح العسكري المصري الجديد يمثل إضافة عسكرية وإستراتيجية لمصر والعرب على السواء، ولعل ثمة دلالة بالغة في حضور قيادات خليجية وعربية في افتتاح هذه القاعدة الضخمة، وهي قول الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي لضيوفه، إن مشاركتهم في هذه الاحتفالية هي بمثابة تأكيد على وحدة الصف والتضامن العربي، وإن مصر وهذه الدول الشقيقة تتشارك في التعاون والبناء وحماية السلام وليس الدمار والتآمر وبث الفرقة بين الشعوب. وقال السيسي، في كلمته، موجهًا حديثه إلى قادة وزعماء العرب المشاركين في افتتاح القاعدة العسكرية: «إن تواجدكم اليوم بيننا، دليل جديد على ما يجمع بلداننا وشعوبنا من مصير مشترك، وتعاون بناء لمواجهة التحديات التي تواجه أمتنا العربية».
المهم لنا نحن العرب في هذه القاعدة العسكرية الضخمة، أنها تعد إضافة استراتيجية للجيوش العربية جمعاء، خاصة الدول الأربع التي تواجه الإرهاب، فالقاعدة تمنح الجيوش توازنات قوى أمام القوى الإقليمية التي تستهدف زعزعة الاستقرار وخلق بؤر للتوتر في البلدان العربية.

وكما بدأت اختم، وكأنني انتظر لقاء حبيبة، وأتلهف لموعد اللقاء بعد طول غياب واشتياق لرؤيتها، أشعر بنفس الأحاسيس مع قرب قدوم ذكري ثورة 23 يوليو، ومن فرط اشتياقي لها أود الكتابة عنها طول العمر وليس مرة واحدة في السنة، فهي الثورة التي ألهبت المصريين ونحن العرب لتحقيق طموحاتنا وآمالنا في الاستقلال والحرية، ولتتمكن الشعوب من تقرير مصيرها، فتحية مرة أخرى لزعيم الأمة الراحل جمال عبد الناصر، قائد ثورة يوليو، الذي جسد آمال المصريين والعرب والأفارقة وشعوب أمريكا اللاتينية في نيل حرياتهم وكرامتهم.. وكان رمزًا لتحدي الغرب بأكمله.