سمير عطا الله

قال الشيخ حمد بن خليفة للدكتور سعد الدين إبراهيم، إذن، هذا النص الذي لم ينفه أحد: «عندما تكون أغنى بلد في العالم، فإنه بشيء من الذكاء والدهاء، تستطيع أن تفعل كل ذلك الذي تستغربه». هذا صحيح. ولكن كان في إمكان قطر ألا تفعل شيئا «من كل ذلك الذي تستغربه». أن تدعم وحدة مجلس التعاون بدل أن تنكّد عيشه. وأن تُغرق البحرين المحدودة الدخل بالاستثمارات بدل أن تُعطّل مسيرتها. وأن تقيم للعالم العربي أكبر صندوق تنمية في التاريخ. وأن تحيي الجامعة العربية من رميمها، بدل أن يأخذها حمد بن جاسم بصدره على أنها قائمة المقتنيات.

يقول حمد بن خليفة في المقابلة نفسها، إنه يفعل ما فعلته الكويت في الماضي! لا أحد يذكر أن إذاعة، أو صحيفة كويتية، هاجمت بلداً عربياً. ولا أريد أن أكرر ما قلته سابقا في هذا الباب، لكن أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد كان يجول الدول العربية المتوترة حاملا رسالة الوئام. ولا يزال، رغم تعب السنين ويأسها وخبرته بالناس.

لم تخرج الكويت من أدبيات الصف العربي أنملة واحدة. ورغم موقف منظمة التحرير خلال الاحتلال، لم تشجع انشقاق الفلسطينيين، ولم تحرّض على قياداتهم، ولم توسّع الهوة بينهم. وما من يوم أرسلت السلاح إلى أحد، ولا مال السلاح. ولعبت، منذ اللحظة الأولى، الدور الأخوي في مجلس التعاون، لا غطرسة ولا تشاوف. وذات مرة التقيت في مجلس الأمة وزير الخارجية السابق الدكتور محمد السالم، وقلت له متى ستخرج الكويت من الانكفاء، وتعود إلى دورها السابق؟ وكان جوابه «أن الكويت لن تتجاوز معطيات حجمها بعد اليوم، لكي لا يُساء فهم رسالتها. أمامها إطاران قوميان، هما مجلس التعاون والجامعة العربية، وسوف تؤدي، من خلالهما، جميع واجباتها».

ليس من سابقة لحجم الثروة القطرية، ولا من سابقة لطريقة استخدامها، التي شرحها الأمير الأب بصراحة لا سابقة لها هي أيضا. وما من خليجي، أو عربي، أو مراقب دولي عادي، يتمنى أو يتقبل، أن تصل الأمور إلى هذا الحد. وأن تتمتع السلطة القطرية بهذه الشهرة التي سببتها المقاطعة. وقد جال وزير خارجية قطر في عواصم العالم، فيما الحل الحقيقي والوحيد هو في الدوحة. أي أن تتأكد السلطة من أن «أغنى دولة في العالم» يجب أن تتصرف أيضا كأعقل دولة في العالم، وليس أن تبحث «عما يستغربه» العقلاء. الغرابة مسلية أحياناً. لكن التمادي في استمرارها مؤلم ومضر للجميع. والمرء كثير بأخيه. لا بتركيا ولا بإيران ولا بأميركا، التي وصفها الأمير الأب بأنها «أكبر بلطجي في العالم».