ياسر الغسلان

أُعلن يوم الإثنين الفائت أن مدير الإعلام في البيت الأبيض أنتوني سكاراموتشي قد أقيل من منصبه بعد عشرة أيام فقط من تعيينه، وذلك على خلفية عدم رضا الرئيس ترمب على بعض التصريحات التي صدرت منه بخصوص تسريبات قال إنها من بعض موظفي البيت الأبيض لوسائل الإعلام، والتي كان سكارموتشي قد أعلن سابقا أنه سيعمل على محاربتها لأنه اعتبرها تضر بمصالح الرئيس وأهداف إدارته، وهي تصريحات أدت إلى استقالة كبير موظفي البيت الأبيض (رينس بريبوس) الذي حامت أقوال حول كونه هو من يقف وراءها.
الوضع أكثر تعقيدا في البيت الأبيض فيما يتعلق بالعمليات الاتصالية والإعلامية، فقد أدى تعيين سكاراموتشي وهو رجل أعمال معروف في نيويورك ومعارض سابق لترمب قبل تحوله للدفاع عنه إلى استقالة المتحدث الإعلامي للبيت الأبيض «شون سبايسر»، الذي كان قد أثار الكثير من اللغط والتهكم لطريقته في إدارة الأزمات التي أثارتها وسائل الإعلام حول الملفات الشائكة التي يُتهم بها ترمب وإدارته، خصوصا ملف التآمر مع روسيا وقضية التدخل الروسي في عملية الانتخابات التي أتت بترمب للرئاسة.

والمفارقة أن سكاراموتشي أثار في المحيط الترمبي تقلبات إعلامية وسياسية متلاحقة في فترة قصيرة، فتعيينه أسفر عنه استقالة المتحدث الإعلامي للبيت الأبيض، وتصريحاته أدت بكبير موظفي البيت الأبيض للاستقالة، في حين أدى تعيين كبير موظفي البيت الأبيض الجديد «جون كيلي» إلى إقالته من منصبه، وبذلك كشف سكاراموتشي، والذي يتشابه في طريقته في الكلام والتعبير الجسدي والخلفية المهنية رئيسه ترمب، أن هذه الإدارة في حقيقة تركيبها لا زالت لم تستطع تجاوز ضعفها الداخلي وحدة المنافسة واللعب السياسي الذي يتحكم بها.
ما حدث ويحدث في المنظومة الإعلامية في الإدارة الأميركية يمكن اعتباره أخطر المكونات القادرة على إصابة استقرار وديمومة العمل السياسي لهذا الإدارة الشابة، فكما نعلم فإن الإعلام الأميركي اليوم يعد رأس الحربة المعادية للرئيس كما أشرت لذلك في مقال سابق، وأن الشخصيات السياسية والحزبية التي تعمل صبح مساء على إسقاط الرئيس تعتمد بشكل رئيس على تمويل الإعلام اليساري والليبرالي بكل الحجج والأسرار والتسريبات، التي من شأنها الدفع نحو إقرار مشروع لتنحية الرئيس خلال السنة والنصف القادمة وقبل الانتخابات النصفية للكونغرس على أفضل تقدير، ووجود ضعف بنيوي في المنظومة المنوط بها عملية الدفاع الإعلامي للرئيس سيجعل تحقيق إصابات مدمية للإدارة أمر أكثر سهولة وأبلغ تأثيرا في الشارع الأميركي، ويضع بالتالي التأييد المحدود الذي لا زال الرئيس ترمب يحظى به من قبل الأغلبية الجمهورية في موقف محرج قد يدفعه للتخلي عنه في وقت لا يمكن معه تجاوز أخطاءه المتزايدة.

السلاح الإعلامي اليوم يعد الأهم من حيث قدرته على تشكيل المواقف وخلق التأييد وتكوين رأي عام محلي ودولي حيال القضايا المختلفة، وعليه فإن التجربة التي مرت وتمر بها الماكينة الإعلامية في البيت الأبيض اليوم تؤكد أن التعامل مع الإعلام باعتباره سلطة محركة ومؤثرة ليس أمرا جانبيا يمكن الركون إليه من خلال إجراءات سطحية وميكانيكية.
الإعلام وفق تعليق أحد السياسيين ممن التقيتهم هنا في واشنطن هو «شر لا بد منه»، وهو مثل «جبنة روكفور الزرقاء»، رغم تعفن بعض أجزائها إلا أنها تقدم ضمن الأطباق الفاخرة، فالشر الذي فيه يزول بتحييده عبر الشفافية وطعمه يصبح شهيا رغم عفانته إن خدم الأهداف وقدم وساند وجهة النظر المطلوبة.