علي سعد الموسى

ومن أجل فهم واضح وحيادي مستقل لحقيقة الموقف القطري من تمويل الإرهاب واستضافة بعض رموزه ومحرضيه، فلا بد من قراءة الإشارات الأجنبية على هوامش القصة. أولى هذه الإشارات وأهمها تكمن في بنود وتفاصيل الاتفاقية الأمنية الموقعة قبل أسبوعين ما بين واشنطن والدوحة، والتي لم نعرف منها سوى تسريبات بسيطة ولكنها لافتة جداً في الدلالة على وصول الإدارة الأميركية إلى قناعة تامة، وبالدلائل، على ضلوع الحكومة القطرية في دعم وتمويل الإرهاب. وفي الأصل والأساس اسأل عن توقيت التوقيع وعن السؤال: منذ متى ودولة مثل الولايات المتحدة تحتاج إلى اتفاق أمني مع بلد مثل قطر؟ ثم لماذا سميت الاتفاقية تحت عنوان «مكافحة تمويل ودعم الإرهاب»؟ من بين بقية العناوين الأمنية واسعة الطيف؟ هنا نعود لما بين أيدينا من تسريبات لبعض خطوط هذه الاتفاقية، ومن حناجر وألسنة المسؤولين الأميركيين الرسميين. أهمها على الإطلاق قبول الحكومة القطرية بتواجد اثنين من مكتبي وزارة العدل الأميركية والمدعي العام للولايات المتحد بدوام رسمي كامل في الدوحة، لهما أعلى قرار يحق بموجبه أن يوجها تهمة تمويل الإرهاب أو دعمه أو التحريض عليه. بعدها على الحكومة القطرية مسؤولية القبض على الفرد وتجميد «الكيان» ومن ثم تقديم المتورط إلى السلطة القضائية في الدوحة، على أن يتولى مندوبا العدل والمدعي العام الأميركيان مسؤولية الترافع ضد المتهم مباشرة أمام القضاء القطري. هذه سابقة أمنية لم تحدث من قبل في تاريخ العلاقات ما بين بلدين، ومع هذا سأعيدها إلى دفء العلاقة التاريخية ما بين البلدين، الذي سهل عليهما تمرير مثل هذا الاتفاق. أميركا وجدت أمامها، أو قدمت إليها، الأدلة الدامغة على تورط الحكومة القطرية في تمويل الإرهاب، ثم اقتنعت أيضاً بأنه لا توجد حلول سريعة وقصيرة الأجل تستطيع عبرها طمأنة بقية حلفائها في الخليج على مستقبل النوايا القطرية. ومن هنا ارتأت واشنطن أن الحل الاستراتيجي يكمن في تحرك طويل المدى ويبعث الرسالة الأهم لعواصم «المقاطعة»، إذا ما قالت لهم بوضوح: نحن هنا في الدوحة بدوام رسمي كامل وبصلاحيات مفتوحة ومطلقة على رأس الجهاز العدلي القطري، من أجل طمأنة بقية الحلفاء ومعهم المجتمع الدولي من عواقب المراهقات القطرية. في الإشارة الثانية، يكمن القبول القطري المفتوح لرسميين أميركيين بمراقبة ما يصل إليهم عن حركات بنكية مشبوهة أو حسابات مصرفية لأفراد وكيانات، ومن ثم يتولى المندوبان الأميركيان، آنفا الذكر، آلية حق التجميد أو المصادرة حتى قبل دفوعات المحكمة القطرية لهذه القضايا وأمام الممثل العدلي الأميركي.
أختم: في حفل توقيع الاتفاقية قال وزير الخارجية في أول اعتراف علني، وبالحرف: «إذا كان لدينا قطرة واحدة في تمويل الإرهاب فإن لدى دول الحصار بحر واسع». أخطر تصريح اعتراف رسمي في التاريخ.