عاطف الغمري

يختلف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في إدارته للسياسة الخارجية، عن سابقيه من الرؤساء، وإذا نظرنا إلى بعضهم، سنجد أن نيكسون - على سبيل المثال - اعتمد على كسينجر، مستشاراً للأمن القومي، ووزيراً للخارجية، وهو صاحب مبادرات دبلوماسية البنج بونج مع الصين، والصلح مع فيتنام عام 1971، والوفاق مع الاتحاد السوفييتي عام 1972، ودبلوماسية الخطوة - خطوة بين العرب وإسرائيل. 
ومن قبله كان الرئيس ترومان - في الأربعينات - قليل الخبرة في الشؤون الخارجية، لكنه عوّض هذا النقص بالاعتماد على اثنين من أبرز وزرائه، وهما جورج مارشال صاحب مشروع مارشال الشهير لإعادة إعمار أوروبا وما لحق بها من دمار أثناء الحرب العالمية الثانية، والثاني دين أتشيسون الملقب بعميد الدبلوماسية الحديثة، لدوره في بناء الإطار العملي لاستراتيجية الاحتواء، وهو المخطط الرئيسي لتأسيس حلف الأطلنطي، وأثناء عمله وزيراً للخارجية عام 1949 كان له دوره المحوري في إنشاء كثير من المنظمات الدولية مثل صندوق النقد والبنك الدوليين.
وفي فترة رئاسة جورج بوش الأب، شاركه في المسؤوليات مستشاره للأمن القومي برنت سكوكرفت، ووزير خارجيته جيمس بيكر، اللذان لعبا دوراً مهماً في محاولة صياغة استراتيجية جديدة للأمن القومي، عقب تفكك الاتحاد السوفييتي عام 1991، وأيضاً الدور الأمريكي في حرب تحرير الكويت، وبعد ذلك الترتيب لانعقاد مؤتمر مدريد للسلام في الشرق الأوسط عام 1991. إلا أن بوش كان أيضاً صاحب رصيد كبير من الخبرة بحكم المواقع التي سبق أن شغلها كسفير في الأمم المتحدة، ومدير للمخابرات المركزية، وسفير في الصين، ثم نائب للرئيس ريجان. 
وحين تولى جورج بوش الابن عام 2001، حشد البيت الأبيض والوزارات بأقطاب حركة المحافظين الجدد الذين سيطروا على السياسات الخارجية، والدفاعية، وأولهم ديك تشيني نائب الرئيس، ودونالد رامسفيلد وزير الدفاع، وقيادات مجلس الأمن القومي مثل إليوت إبرامز، ورغم أن كوندوليزا رايس وزيرة الخارجية لم تكن منهم، إلا أنها انحازت تماماً لأفكارهم. وقد تحولت كل مبادئ المحافظين الجدد إلى أفكار ومبادئ سياسات إدارة بوش، مثل عسكرة السياسة الخارجية، والضربة الاستباقية، والفوضى الخلاقة، وتغيير الأنظمة العربية. 
إلا أن فترة رئاسة أوباما اتسمت بانقسامات حادة داخل حكومته، وصراعات بين رئيسة مجلس الأمن القومي، وبعض وزرائه مثل تشاك هاجل وزير الدفاع، وجون كيري وزير الخارجية. وانعكس ذلك في ما اتفق عليه غالبية المحللين الأمريكيين من قصور الرؤية الاستراتيجية لأوباما. 
وبمقارنة كل هؤلاء، برئاسة دونالد ترامب، نجد أن الخلاف بينه وبينهم، قد ظهر من أول يوم له كرئيس، في ابتعاده عن النخبة، ومواريثها التقليدية عن السياسة الخارجية، واختيار وزرائه ومعاونيه من خارج السلك الدبلوماسي، فهم إما رجال أعمال، أو عسكريون سابقون، ليس لهم توجه أيديولوجي واحد. كما أنه اعتمد على الاتصال المباشر مع قيادات العالم، إما من جانبه، أو عن طريق مبعوثين إلى رؤساء آخرين، وهو ما أدى إلى تعديل في مواقف سابقة له، وتطور في رؤيته لبعض المشاكل الدولية الشائكة. 
لكن من المهم التعامل مع ترامب وإدارته للسياسة الخارجية بشقين، هما الاهتمام، والحذر معاً. ففي الولايات المتحدة ثوابت التحيز المطلق لإسرائيل، ودعم مؤسسات الدولة والكونجرس لهذا التحيز، ثم رؤيته الشخصية المبدئية لهذه العلاقة، تضاف إليها نوعية مبعوثيه للشرق الأوسط، منهم جاريد كوشنر زوج ابنته اليهودي، وسفيره في «إسرائيل» ديفيد فريدمان الصهيوني، المؤيد لسياسة الاستيطان. 
إن ترامب يتصرف في إدارته للدولة، بمنطق من انعدمت ثقته في النخبة التقليدية التي احتكرت صياغة الفكر السياسي، الذي أخذ به مختلف الرؤساء على التوالي، وكما هو معروف فقد كان كل رئيس يختار من هذه النخبة من هم أقرب إلى تفكيره، دون أن يقطع التواصل مع آخرين من النخبة، حتى ولو كانوا خارج الدائرة الرسمية، إذا وجد لديهم الأفكار التي تسعفه في بناء سياسة خارجية مطلوبة في حينها. 
ولما كان وزراؤه ومعاونوه الذين اختارهم ليسوا من هذه النخبة، ولم يكونوا على صلة بمخزون الخبرات المتراكمة في السياسة الخارجية، إلا أن قلة من الجنرالات السابقين، مثل مستشاره للأمن القومي، ووزير دفاعه، قد شاركوا في فترات سابقة في بحوث ودراسات استراتيجية، ولهما آراء سبق أن سجلوها عن سياسة بلادهم الخارجية.
الخلاصة أن مسار إدارة ترامب للسياسة الخارجية، وتصعيد أدوار هؤلاء المساعدين، يمكن أن يساعدوا على تقديم أفكار تساهم في نضج تفكير ترامب، وبالتالي توسيع مشاركتهم في صياغة أفضل لسياساته، وتقليل ساحة انفراده بالإدارة المباشرة للسياسة الخارجية.