فيصل ملكاوي

بعد ان تردد اسم القدس مرارا في الأيام الماضية على مسامع الرئيس الاميركي دونالد ترمب وسمع من كبار مستشارية ومبعوثيه الى المنطقة ان الشرق الاوسط برمته يهتز على وقع الاعتداء الذي قامت به حكومة نتنياهو على المسجد الاقصى المبارك والتداعيات الهائلة التي لحقت فان الرئيس الاميركي ربما ادرك باثر رجعي اهمية قراره بان لم يقم بنقل السفارة الاميركية من تل ابيب الى القدس، وسيكون مهما للغاية ان كان فكر بطريقة تقود الى ان هذه الاحداث بقدر ما شكلت نذر انفجار كبير فانها في ذات الوقت يمكن ان تشكل حافزا ودافعا للمسارعة لاحياء السلام واطلاق الجهود الاميركية المنتظرة بهذا الشأن.

ومن الهم ايضا ان يكون الرئيس الاميركي ادرك ان الاحداث التي وقعت في القدس والمسجد الاقصى المبارك اخيرا، انما هي حلقة من سلسلة طويلة من الحلقات السابقة التي يمكن ان تتجدد وتتكرر في اي لحظة وبمخاطر وتداعيات اكبر، لان الوضع هش جدا والجمر يستعر تحت الرماد، لاسيما وان السنوات الطويلة الماضية اثبتت انه ليس بوارد حكومة اليمين الاسرائيلية التي يقف على راسها بنيامين نتنياهو التوقف عن الممارسات العدوانية، بل ان اجندتها حافلة ومعلنة باتجاه المزيد من الاعتداءات واعادة تفجير الاوضاع على مستويات ومديات اكبر واكثر خطورة في الجولات القادمة.

طاقم البيت الابيض لعملية السلام في المنطقة كون خلال الاشهر الماضية فكرة معمقة عن تاريخ الصراع العربي الاسرائيلي فجيسون غريبنلات مبعوث الرئيس الخاص لهذه العملية زار المنطقة نحو خمس مرات كان اخرها خلال الايام الماضية عندما اشتعلت الازمة واشتدت الاحداث في المسجد الاقصى المبارك، وايضا فان جيارد كوشنير صهر الرئيس وكبير مستشاريه والمعني مباشرة ببناء وبلورة الاستراتيجية الاميركية لاحياء السلام في الشرق الاوسط كان زار المنطقة والتقى كافة الاطراف واطلع عن كثب على ادق التفاصيل المتعلقة بالصراع وجهود السلام السابقة ومنها التي بذلها الرئيس الاميركي السابق باراك اوباما ووزير خارجيته جون كيري والتي اجهضها بنيامين نتياهو وحكم عليها بالفشل التام.

هذا الطاقم نقل تجربته وملفاته الى الرئيس ترمب خلال الفترة الماضية، حتى ان المعلومات كانت تشير، الى انه كان يخطط لاطلاق باكورة جهوده لاعادة احياء السلام الشهر الماضي بخطوة تبدأ برعايته لقاء ثلاثيا في واشنطن يجمعه والرئيس الفلسطيني محمود عباس ورئيس الوزراء الاسرائيلي بنامين نتنياهو لتنطلق بعدها المفاوضات الفلسطينية الاسرائيلية لتسعة اشهر يرافقها اجراءات اضافية وتوسيع نطاقها اذا حققت تقدما في اشهرها الاولى واشرت الى انها ستكون ذات نهايات مختلفة عن نهايات مسيرة المفاوضات السابقة في السنوات الماضية والتي كان حاصلها صفرا وفشلا وبقاء الاحتلال والاستيطان واجراءات الاحتلال لا بل وتكريسها اكثر بعد كل جولة مفاوضات وجهود سلام فاشلة.

ولم تسمع دول المنطقة من الرئيس ترمب، جديدا خلال الفترة الماضية بشان خطته للسلام، وان كان بلور هذه الخطة لغاية الان ام لا ؟ بل وان كان ما زال على اعتقاده وذات الاصرار الذي كان اعلنه في بداية ولايته انه سيحقق عبر (الصفقة الكبرى) ما عجز عنه وفشل فيه الذين سبقوه من رؤساء الولايات المتحدة في محاولاتهم وجهودهم لحل الصراع العربي الاسرائيلي ام ان هذا الاصرار لم يعد قائما؟ وبات رهينا لرئيس لا يمكن التنبؤ بتصرفاته وقرارته واتجاهاته ومفاجأته ايضا؟!

لكن وحالة الغموض هي التي تسود حيال ما يمكن ان يكون يفكر فيه الرئيس ترمب بخصوص الصراع في الشرق الاوسط على صعيد عملية السلام المتوقفة، فان ما وقع في المسجد الاقصى اخيرا، من اعتداءات هو نتاج اصل المشكلة وهو الاحتلال، وسيبقى يلقي بظلاله بقوة على اي خطوات وجهود اميركية لحل اي ازمات او صراعات في المنطقة بل وسيجد تداعيات هذا الصراع في اي مكان في العالم، وسيجد الرئيس الاميركي نفسه مجبرا على الانخراط في شأن هذا الصراع

باي حال وباي شكل في نهاية المطاف.

سيرى الرئيس الاميركي وسيلمس عن قرب مع كل جولة جديدة من اعتداءات الاحتلال الاسرائيلي في المسجد الاقصى المبارك والاراضي الفلسطينية المحتلة، ان هذا الاحتلال سيبقى يغذي اجندات المتطرفين وان اجراءات الحكومة الاسرائيلية تهدد كل مرة باشعال حرب دينية، وقبل كل ذلك انها لا تلقي بالا لاي جهود للسلام، وانها كانت دوما تراهن على عامل شراء الوقت وتاجيج الصراع لاغراق اي ادارة اميركية في التفاصيل وادخالها باحسن الاحوال في مربع (ادارة الصراع ) وابعادها بكل وسيلة عن مربع ( حل الصراع ) او مجرد التفكير بذلك.