شملان يوسف العيسى

تشهد منطقتنا العربية هذه الأيام بوادر متغيرات سريعة سوف تغير وجه المنطقة بعد اتفاق الدولتين العظميين الولايات المتحدة وروسيا على فرض الاستقرار بالمنطقة وتحديداً في سوريا والعراق.

ففي العراق دعا رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي إلى اتباع العراق سياسة موازنة في علاقتها مع الدول وعدم تسليم مصالحنا لدولة دون غيرها، مشدداً على أن العراق بحاجة إلى طبقة سياسية وطنية تماثل قادة الجيش في تسابقهم لهزيمة «داعش». وأضاف «لا نريد فاسدين في الطبقة السياسية بعد الآن.. نريد طبقة نزيهة حتى لا تعود الكارثة الكبرى التي كادت تودي بالعراق بأسره»، في إشارة إلى سقوط مدينة الموصل في قبضة «داعش» قبل 3 أعوام.

التوجهات الجديدة في العراق دفعت بالزعيم الشيعي عمار الحكيم إلى التخلي عن المجلس الإسلامي الأعلى بخروجه منه، وتجدر الإشارة هنا إلى أن المجلس الإسلامي الأعلى أسسته إيران عام 1982. وأكد الحكيم تشكيل تيار جديد اسمه «تيار الحكمة» والهدف من تحرك الحكيم هو استقطاب الشيعة المعتدلين والعلمانيين لأنه يريد تياراً جديداً عابراً للطوائف، وقد لقي التحرك الجديد قبولاً من شرائح كثيرة في المجتمع العراقي.

السؤال لماذا غير القادة العراقيون مواقفهم السابقة تجاه الأوضاع الداخلية وعلاقتهم الوثيقة بإيران؟

السبب الرئيسي للتغيير هو اشتداد الحملة الدولية ضد الإرهاب والتي نتج عنها تحرير الموصل في العراق ومحاصرة الرقة في سوريا وأفول الآيديولوجيات والشعارات الإسلامية الداعية إلى المقاومة وتحرير فلسطين.

السبب الآخر هو تضعضع وضع إيران في المنطقة، ويعود ذلك إلى فشل المشروع الإيراني في المنطقة، فقادة إيران قد أعلنوا سابقاً وبشكل صريح وواضح أنهم يسيطرون على أربع عواصم عربية، وهم يقصدون العراق وسوريا ولبنان واليمن، وقد كلف الحرس الثوري الإيراني بقيادة قاسم سليماني بحماية وإدارة المشروع الإيراني... لكن الجرائم البشعة التي ارتكبتها ميليشيات الحشد الشعبي العراقي التابع لإيران في الموصل ومناطق السنة في الأنبار والفلوجة وتعمدهم وإصرارهم على سياسة «التهجير الديموغرافي» والإبادة الطائفية في كل من العراق وسوريا، تسبب ذلك كله في فشل المشروع الإيراني.

المتغير الجديد الذي لم تحسب إيران أي حساب له ولم تتوقعه وهو وصول الحزب الجمهوري الأميركي للسلطة بقيادة دونالد ترمب الذي أعلن في حملته الانتخابية بأنه سوف يغير السياسة الأميركية في المنطقة ومهمته الرئيسية محاربة إرهاب «داعش»، واعتبر ترمب إيران عنصر عدم استقرار المنطقة لدعمها للإرهاب والإرهابيين.

لماذا شددت إدارة ترمب حملتها ضد إيران؟ ولماذا تبنت سياسة المقاطعة الاقتصادية ضد إيران؟

هنالك أسباب كثيرة أهمها أن إيران بدأت تهدد المصالح الأميركية في المنطقة كما تهدد مصالح حلفاء الولايات المتحدة وهم دول الخليج العربية وإسرائيل، والأهم من كل ذلك اكتشاف واشنطن بأن هنالك علاقة وثيقة بين طهران وتنظيم «القاعدة» والدواعش... كذلك دعم التنظيمات الشيعية المتطرفة في المنطقة سواء في لبنان والعراق وسوريا واليمن والخليج. هل ستحصل مواجهة بين طهران وواشنطن في المنطقة؟

رغم حقيقة أن إيران دولة إقليمية كبيرة في المنطقة ولديها طموحات لتحقيق مصالحها القومية الإيرانية التي لا تمت للدين أو العقيدة أو المذهب بصلة، والدليل على ذلك هو أن إيران رغم إعلانها عن مشروعها التوسعي بتصدير الثورة لدول الجوار العربي، عمدت دائماً إلى تنفيذ خططها في المنطقة من خلال أنصارها وأتباعها ومؤيديها من السياسيين والأحزاب والميليشيات العسكرية الطائفية مثل «حزب الله» اللبناني و«حزب الله» العراقي وتشكيل فيلق بدر في طهران عام 1981 وجيش المهدي عام 2004 وعصائب الحق عام 2007 وميليشيات جيش المختار التابعة لـ«حزب الله» العراقي وقد قامت بعدة عمليات ضد السعودية عام 2013.

هذه الميليشيات العقائدية هي الذراع اليمنى للثورة الإيرانية ولا يمكن اقتلاعها بسهولة من العراق إلا بتدخل قوي من دولة عظمى مثل الولايات المتحدة. ما يحصل اليوم أن الولايات المتحدة هي التي دعمت حيدر العبادي في محاربة إرهاب «داعش» ووضع حد للتوسع الإيراني وهذا يتطلب وجوداً أميركياً قوياً في العراق... فقد قفز عدد القوات الأميركية من 5000 مستشار وقوات تدريب وطيارين وغيرهم إلى 12000 عسكري الآن وتم فتح قواعد عسكرية جديدة...

في ظل المتغيرات الجديدة على الساحة هل يمكن لإيران التوسع في المنطقة؟ الأمر المؤكد أن إيران تعي تماماً قوتها الفعلية ولا يمكن أن تغامر في أي مواجهة ضد الولايات المتحدة... كما أن النموذج الإسلامي المتطرف والطائفي في إيران لا يلقى أي قبول من الشعوب العربية، خصوصاً بعد اكتشاف زيف وخداع الشعارات الإيرانية بتحرير فلسطين وتحسين أوضاع البؤساء في العالم العربي، فانتشار الفساد والفقر والتشريد في كل من العراق وسوريا... كشف زيف طهران مما سيعجل من تقليص نفوذها في المنطقة في السنوات المقبلة.