خالد أحمد الطراح

 لا داعي لشرح أهمية عملية التدقيق على حسابات المؤسسات التي تمتلك أموالاً ضخمة داخل الكويت وخارجها، هي أساساً من ثروات المال العام وليست أموالاً خاصة، لكن في كويت اليوم والماضي القريب وكويت المستقبل ما زال التدقيق خارج ضوابط ملزمة للمؤسسات الحكومية!


بجرة قلم الوزير المعني ينسف تبعية الرقابة من وضع حيادي ومستقل بالكامل لقرار وزير سابق بخصوص التدقيق ليتم منح الرؤساء، إلى جانب مناصبهم التنفيذية، دور «الخصم والحكم»، وهو أمر ليس جديداً على القطاع الاستثماري والنفطي في الكويت، فقد سبقت ذلك أمثلة ودروس عديدة، لم تتعظ منها الحكومة، ولم تستخلص منها العبر في إلزام الوزراء بالعودة إلى عمل مؤسسي حكومي – إن وجد – وليس انفراد كل وزير حسب ما يشاء وتلبية لرغبات فردية بالنسبة إلى خضوع التدقيق والرقابة تحت قبضته حتى يبسط سيطرة كاملة من خلال نافذة الجلاد والحكم. جلاد على المراقبين والحكم على نتائج تقارير تدقيق، يفترض أن تكون مستقلة، لكن في حال خرجت التقارير بعكس رغبة المسؤول فيصدر الحكم بعدم صحة النتائج لتتم إعادتها بما يتناسب مع الرغبة الشخصية تهدف إلى بسط النفوذ على العمل التنفيذي والرقابي في وقت واحد!
أحدث مثال على ذلك ما جرى تداوله برلمانياً وإعلامياً بشأن تبعية الرقابة والتدقيق في مؤسسة البترول، حيث نسف وزير نفط بالوكالة قراراً لوزير سبقه في المنصب الوزاري بخصوص تبعية الرقابة والتدقيق وفقاً لضوابط ومبادئ الحكومة (القبس 2017/7/28) في مؤسسة البترول لتتم تحت قبضة يد الرئيس التنفيذي وليس الوزير رئيس مجلس الإدارة!
تبعية التدقيق إلى الوزير المعني لا تعني بالضرورة أنه الحل الأمثل في دعم الدور المستقل للرقابة، فالوزير دوره سياسي بالدرجة الأولى، وربما ليس بالضرورة أن يكون الشخص المناسب أو صاحب الخبرة المالية والمهنية في تقييم التقارير وأي انحراف محتمل، وإنما يفترض أن يكون هناك شركاء من ذوي الاختصاص من بعض أعضاء مجلس الإدارة ومن خارج رحم الهيمنة الحكومية حين تجري الاستعانة بشخصيات من ذوي الاختصاص والنزاهة حتى يكون الحكم لمن ليس لهم عمل سوى التعامل مع نتائج التدقيق بحيادية كاملة وتقديم الرأي للوزير المعني والجهات الرقابية الأخرى كديوان المحاسبة والإدارة الحكومية حتى تجري المناقشة العلنية في مجلس الوزراء واتخاذ اللازم لمصلحة المال العام وليس لمصلحة خواطر فردية، وما أكثر القرارات التي تراعي الخواطر قبل المصلحة العامة!
سبق ذلك انحراف متعمد نتج عنه تكبد المال العام خسائر وسرقات، منها ملفات لفتها السرية بالسابق، وانفضح أمرها في ما بعد، كما حصل في استثمارات الدولة في أسبانيا إبان الغزو، وتكرر السيناريو نفسه قبل 2008 مع المدير العام السابق للتأمينات الاجتماعية، المتهم الهارب من أحكام استئناف ومطلوب لعدالة السلطة القضائية!
في سرقة «التأمينات» نشب الخلاف في البداية حول عملية التدقيق وما شابها من عدم دقة وغموض في حسابات المؤسسة، وهو ما استوجب الاستعانة بجهة تدقيق خارجية على أن تتبع اللجنة الاستثمارية المنبثقة عن مجلس الإدارة، لكن سرعان ما جاء وزير آخر وألغى قرار التبعية وأعادها إلى «الخصم والحكم»، وهو المدير العام المتهم الهارب حالياً والوزير صاحب القرار لم يحاسب إلى اليوم سياسياً ولا قانونياً، لأن ربما مثل هذه القرارات من سلطات الوزير مثلها مثل التعيين للقياديين والإحالة إلى التقاعد لهم وفق رغبات شخصية لكنها وزارية.