نعمت أبو الصوف

في عام 2016، انخفض الاستثمار في قطاع النفط والغاز بنسبة 26 في المائة ليصل إلى 0.65 تريليون دولار، ويرجع السبب في ذلك جزئيا إلى انخفاض عمليات الحفر، حيث إن انخفاض أسعار النفط أدى إلى تراجع الاستثمار، ولكن أيضا لأن الشركات النفطية حققت خطوات كبيرة في خفض التكاليف.
في تقريرها العالمي "الاستثمار في الطاقة لعام 2017"، توقعت وكالة الطاقة الدولية أيضا أن ينتعش الإنفاق بشكل طفيف في عام 2017، بنسبة 3 في المائة، وهذا الارتفاع يرجع إلى حد كبير إلى زيادة الاستثمار في موارد النفط الصخري الأمريكي بنسبة 53 في المائة ومرونة الإنفاق في الشرق الأوسط وروسيا. وهناك دلائل على حدوث ارتفاع في الاستثمار في أماكن أخرى. وتفيد تقارير وود ماكنزي أن عدد مشاريع المنبع (الاستخراجية) التي تصل إلى قرار الاستثمار النهائي في عام 2017 يمكن أن يتضاعف إلى 25 مشروعا مقابل 12 مشروعا فقط في عام 2016.
وتقول وكالة الطاقة الدولية إنه في الوقت الذي تتوقع أن تنخفض التكاليف عندما يستمر انخفاض الحفر أثناء انكماش أسعار النفط، فإن تحسين الكفاءة ساعد الشركات على توفير النقد. هذا وقد تراجعت التكاليف العالمية للنفط والغاز لمشاريع المنبع بنسبة 17 في المائة في عام 2016، ومن المتوقع أن تنخفض تكاليف قطاع الصخر الزيتي في الولايات المتحدة للعام الثالث على التوالي في عام 2017، لكن بصورة أبطأ. وهذا يمكن أن يدل على حدوث تغيير جذري في الطريقة التي تعمل بها هذه الصناعة.
وقد انتقدت هذه الصناعة لفترة طويلة – غالبا من داخلها – بسبب فشلها في العمل بكفاءة أكثر. لقد تمكن المنتجون من تجنب هذه الانتقادات عندما كانت أسعار النفط 100 دولار للبرميل، ولكن هذا لم يعد ممكنا في ظل الأسعار السائدة حاليا. إذا كانت وكالة الطاقة الدولية على حق، فإن نموذج التشغيل الأقل حجما قد يضع الشركات على أساس مالي أكثر استدامة. وهذا يجب أن يحدث، حيث إن تكاليف مصادر الطاقة المنافسة تنخفض أيضا، ولا سيما مصادر الطاقة المتجددة. ففي عام 2016، انخفضت التكاليف الرأسمالية لوحدات الطاقة الشمسية الضوئية بنسبة 20 في المائة، وفقا لوكالة الطاقة الدولية.
ولكن في الوقت الذي تحقق فيه الطاقة الشمسية وطاقة الرياح مكاسب سريعة، فإن الطاقة البديلة بشكل عام تفشل في زيادة حصتها في استثمارات مشاريع الطاقة الجديدة، لأن الاستثمار في الطاقة النووية والطاقة المائية قد انخفض. في عام 2016، انخفض الإنفاق من حيث القدرة التوليدية الجديدة المخطط لها في مجال الرياح، الطاقة الشمسية، الطاقة الكهرومائية والنووية. وكان الخاسر الرئيس هنا هو الطاقة الكهرومائية، التي فشلت في مواءمة عام 2015، الذي شهد اتخاذ قرارات استثمار نهائية لمشاريع كبيرة في الصين والبرازيل. وقالت الوكالة إن هذا الفشل في تعزيز الطاقة المتجددة في جميع المجالات يعرض الطاقة النظيفة للخطر على حساب الوقود الأحفوري.
على الرغم من أن طاقة التوليد المتوقعة من الطاقة الشمسية الكهروضوئية والريحية المشغلة حديثا قد نمت بنحو 75 في المائة على مدى السنوات الخمس الماضية، إلا أن القرارات الاستثمارية النهائية للطاقة النووية والطاقة المائية انخفضت بنحو 55 في المائة خلال الإطار الزمني نفسه. ونتيجة لذلك، فإن طاقة التوليد المتوقعة من مرافق الطاقة النظيفة الجديدة لا تواكب نمو الطلب على الطاقة، وهو أقل كثيرا عما هو مطلوب للانتقال إلى مزيج منخفض الكربون، على حد قول الوكالة.
وفيما يتعلق بتدفقات الاستثمار، تحتاج شركات النفط إلى التحرك بسرعة للحفاظ على إمكانية الوصول إلى الاستثمار عند الحاجة. في عام 2016، كان هذا يمثل تحديا كبيرا بالنسبة إلى شركات النفط الأمريكية المستقلة، التي تعمل في الغالب في قطاع النفط الصخري. حيث إنها تحمل عادة ديونا أكثر من شركات النفط الأخرى وتعتمد بشكل أكبر على أسواق السندات للتمويل. وقد أدى انخفاض أسعار النفط إلى ارتفاع أسعار السندات. ومع ذلك، وجدت وكالة الطاقة الدولية أن انخفاض أسعار النفط لم يؤثر بشكل عام في آليات تمويل استثمارات النفط والغاز، حتى لو أصبح جزء كبير من القطاع أكثر مديونية.
بالنسبة لشركات النفط الكبرى، ظل التدفق النقدي المصدر الرئيس للتمويل، على الرغم من أن صافي الدين قد زاد بأكثر من 100 مليار دولار بين منتصف عام 2014 وأوائل عام 2017. وشهدت شركات النفط الأمريكية المستقلة، التي تتمتع بنموذج أعمال أكثر استدانة، ارتفاعا في تكاليف الدين، ولكن حالتهم المالية تحسنت بفضل المكاسب الناتجة عن زيادة الكفاءة وانخفاض التكاليف. وهي لا تزال تعتمد بشكل كبير على مبيعات الأصول والتمويل الخارجي للأسهم، وفقا لوكالة الطاقة الدولية.
ولكن تراجع عدد مشاريع النفط التقليدية الجديدة يمكن أن يؤدي إلى تشدد إمدادات النفط في المستقبل القريب. نظرا لاستنزاف الحقول القائمة، فإن وتيرة الاستثمار في المجالات التقليدية ستحتاج إلى الارتفاع لتجنب الضغط على العرض، حتى مع الافتراضات المتفائلة حول التكنولوجيا وأثر السياسات المناخية في الطلب على النفط. حيث إن التحول إلى مصادر الطاقة البديلة بالكاد بدأ في قطاع النقل والقطاعات الصناعية، التي ستستمر تعتمد بشكل كبير على النفط، الغاز والفحم في المستقبل المنظور، حسب الوكالة.
إن عدم اليقين بشأن بيئة التداول على المدى الطويل والرغبة في وصول النفط إلى السوق في أسرع وقت ممكن هما من العوامل الدافعة للانتقال إلى مشاريع الدورات القصيرة الأجل في قطاع النفط، مثل النفط الصخري، إلى جانب التطور التكنولوجي الذي جعل من الممكن تسريع عملية التنمية. وتطرق النقاش بين مساهمي شركات النفط حول ما إذا كان الاستثمار في المشاريع الضخمة على المدى الطويل يمكن أن يضيع إذا ما تراجع الطلب على النفط، كما أن احتمالية بقاء النفط في باطن الأرض أو ما يسمى Strand Assets قد يكون أيضا وراء الدفع نحو مشاريع ذات عوائد قصيرة الأجل.