ســيد عـلى

هى قصة الأمس واليوم ستقول إن مصر الناهضة القوية حين يشتد عودها وتقف بأقدام راسخة فى محيطها الإستراتيجى تصبح خطرا على المتربصين بها وبالمنطقة وكلهم يريدون لنا أن ننكفئ على أنفسنا، ولن ينسوا أن جيش مصر كان على مسيرة يوم واحد من الأستانة عاصمة الامبراطورية العثمانية، فإذا بروسيا، العدو الاستراتيجى للدولة العثمانية مع النمسا العدو التاريخى أيضا لها مع إنحلترا وفرنسا تتدخل لمنع نابليون الشرق إبراهيم باشا، ويعقدون فى لندن عام 1840 مؤتمرهم ويقررون إتفاقية لندن التى تمنح لمحمد على حكم مصر وراثيا مع جنوب سوريا على أن يقوم بسحب قواته من الشام والجزيرة العربية وجزيرة كريت وبقية أراضى الأناضول، وإذا لم يقبل خلال عشرة أيام يحرم من حكم عكا، ويعطى عشرة أيام أخرى فإذا لم يقبل يحرم من حكم مصر، ويكون للمجتمعين الحق فى اللجوء للقوة وفِى حال تقدم الجيش المصرى للأستانة يتخذون كل الوسائل لحماية الخلافة وبقية القصة معروفة من امتناع محمد على ثم موافقته. 

السيناريو نفسه تكرر منذ سطوع الحضارة المصرية القديمة والقصة السابقة هى الإجابة عن السؤال المهم أين ذهبت الحضارة الفرعونية، وكما يرى المؤرخ أرنولد توينبى فيلسوف التاريخ أن الحضارات كالكائن الحى تمرض وتضمحل وتموت ولكن أحدا لم ينشغل بمعرفة المرض أو الأمراض التى أدت للوفاة، ويرى بعض المجتهدين أن السبب ربما يعود لعدم قدرتها على تبنى ديانة عالمية وفقا لرأى أرنولد توينبى فيلسوف التاريخ بأن كل حضارة عظمى لابد أن تكون لها ديانة عظمى أو أن تتبنى ديانة كبرى والحضارة الفرعونية فشلت أن يكون لها ديانة عالمية بل رفضت الارتقاء بديانتهم المحلية لتصبح عالمية، وقد يرى البعض إن إخناتون الذى يرى البعض فى إنه النبى إدريس حاول فتم القضاء عليه وتدميره هو وعاصمته تل العمارنة وفِى نفس الوقت رفض الفراعنة تبنى الديانة اليهودية التى وصلت إليهم عبر ثلاثة من الأنبياء هم: يوسف وموسى وهارون عليهم جميعا السلام، وفِى نفس الوقت عجزت الحضارة الفرعونية عن الاكتمال الجغرافى بضم منابع النيل وكان فى مقدورهم قبل نشوء الإثيوبيين وهناك محاولات لم تكتمل منذ الملكة حتشبسوت التى أرسلت حملات الى الصومال، ولكنها لم تحاول تأسيس فرع للمملكة المصرية وهو ما تداركه محمد على بمحاولة ضم السودان، وكان على بعد خطوات من منابع النيل وكلها محاولات لم تكتمل لملء الفراغ وتشكيل الاكتمال الجغرافى لحفظ الأمن القومى وربما تكون نظرية الرئيس الامريكى إيزنهاور لملء الفراغ مفسرة لتعاقب الحضارات والإمبراطوريات حول العالم عبر التاريخ وهو ما يفسر المشهد الراهن فى المنطقة العربية. 

وحتى عندما امتلكت المنطقة ومصر الاسلام كديانة عالمية ظهر ملوك الطوائف فى الأندلس وأعلن أحدهم أبوالحزم بن جهور سقوط الدولة الأموية فى الأندلس بعد أن بكوا كالنساء على ملك لم يحافظوا عليه كالرجال وقام كل منهم ببناء دويلة منفصلة، وتأسيس أسرته الحاكمة حتى وصل بهم الأمر لأن يدفع ملوك الطوائف الجزية للملك الفونسو السادس، وكانوا يستعينون به على إخوانهم فى مشهد متكرر ومنذ هزيمة العرب فى الأندلس بدأ العد التنازلى لإزالة العرب وحضارتهم من خريطة العالم وكل ما يحدث الآن يعيد نفس السيناريو القديم لأمة تصر على ألا تتعلم من خطاياها بدليل ما يحدث الان فى معظم المنطقة واستعداد الأكراد والفرس والصهاينة والأمازيغ فى تفتيت مشرق ومغرب تلك الأمة التى كانت ولاتزال تمتلك كل مقومات النهضة والاستقرار إذا اعتصموا بحبل الله جميعا، ولكنهم أصبحوا كالزبد يذهب جفاء لأنهم لم يعد منهم من ينفع نفسه ولا الآخرين.