إبراهيم البحراوي

استطاع بنيامين نتنياهو منذ تولى رئاسة وزراء إسرائيل كزعيم لمعسكر اليمين المتطرف أن ينطلق كالسهم المارق في سماء الساحات السياسية في إسرائيل ومنطقة الشرق الأوسط والولايات المتحدة الأميركية يحقق طموحاته في الحكم، ويبدد فرص السلام، ويمارس أساليب الدهاء لتمرير أطماعه في فلسطين بل ويعاند الرئيس الأميركي أوباما ويجابهه داخل الكونجرس. ظن الرجل، وأنصاره، أنه لن يوقفه شيء بعد أن نجحت مؤامرته ضد أستاذه زعيم حزب «ليكود» الجنرال شارون عندما حاصره في اللجنة المركزية للحزب، وقطع التيار الكهربائي عن ميكروفونه وهو يتحدث وحرّض أتباعه على إهانته، مما أرغم شارون على الاستقالة من زعامة الحزب، وتكوين حزب «كاديما» عام 2005.

انتفع نتنياهو بالخبرات إلى حصلها أثناء تعلمه في الولايات المتحدة في أن يخفي أطماعه الصهيونية، وأن يرتدي قناع السياسي العملي البراجماتي لكي يظهر بمظهر رجل السلام وليتفادى التعرض للضغوط الأميركية والدولية. غير أن لحظة الحقيقة تقترب هذه لأيام وقد يجد نفسه في مأزق حقيقي إذا ما قررت النيابة العامة الإسرائيلية أن لديها أسانيد كافية لتقديم عريضة اتهام جنائية ضده في التحقيقات الجارية حول الشبهات الجنائية بحقه في قضية تلقي هدايا ورشاوى من أثرياء، وقضية سوء استخدام السلطة للحصول على تأييد إعلامي من صحيفة «يديعوت أحرانوت» المعارضة له مقابل قيامه بإضعاف منافستها صحيفة «يسرائيل هيوم».


إن التحقيقات الجارية حالياً تأخذ كل يوم بعداً أكثر جدية وتقترب بنتنياهو من مواجهة العدالة والمثول أمام المحكمة، وهو أمر إذا انتهى بإدانته فسيعني اختفاءه من رئاسة الحكومة وربما دخول السجن، كما حدث مع سلفه إيهود أولمرت.

لقد بنى نتنياهو اللبنة الأولى في مسيرته السياسية بتأليف كتاب وضع له عنواناً «مكان تحت الشمس»، عبّر فيه عن أفكاره كتلميذ نموذجي في المدرسة الأيديولوجية الصهيونية المتطرفة التي أسسها في العقدين الأولين من القرن العشرين زعيم الصهيونية التنقيحية فلاديمير جابوتنسكي، والتي توالى على رئاستها مناحيم بيجين وإسحق شامير، وهي المدرسة الداعية إلى إقامة دولة إسرائيل على المساحة الواقعة بين نهر الأردن والبحر الأبيض المتوسط، مع منح الفلسطينيين حكماً ذاتياً تحت السيطرة العسكرية الإسرائيلية تجنباً لإندماجهم في المجتمع اليهودي. لمع نجمه في سماء اليمين المتطرف عندما قاد حملة تحريض عام 1995 ضد إسحاق رابين رئيس «حزب العمل» وزعيم معسكر السلام الإسرائيلي الهادف إلى تطبيق معادلة الأرض مقابل السلام، الحملة التي انتهت باغتيال رابين وصعود نتنياهو إلى سدة الحكم عام 1996. هنا بدأ لعبة التخفي خلف قناع السياسي البرجماتي لخنق عملية السلام بطرقه الماكرة حتى لا يضر بالعلاقات الاستراتيجية الإسرائيلية الأميركية.

أصبح نتنياهو الزعيم المرضي عنه في معسكر اليمين المتطرف بعد أن اطمأنت العناصر المتطرفة، الداعية لرفض قيام دولة فلسطينية ولتدمير المسجد الأقصى، إلى أن قناعه السياسي البراجماتي لا يضر أهدافها بل ينفعها في المحافل الدولية. تعززت مكانته في أوساط اليمين بعد أن طبق أساليب الدهاء لتجنب الصدام مع الرئيس أوباما حول العملية السلمية، لكنه أحبط جهود أوباما لتحقيق حل الدولتين وإفشالها بالكامل. لقد أدى مكر نتنياهو إلى إضعاف «حزب العمل»، والذي كان يحاول تخويف الجماهير من أن سياسات نتنياهو المعوقة للسلام ستؤدي إلى صدام مع الحليف الاستراتيجي الأميركي، فقد نجح نتنياهو في الحفاظ على التأييد الأميركي وتمرير أطماعه في نفس الوقت.

السؤال الرئيسي الآن هو: ماذا لو اختفى نتنياهو من المشهد السياسي؟ وهل يتمكن معسكر السلام بقيادة «حزب العمل» من استعادة مكانته في الانتخابات القادمة؟ أم أن نتنياهو جديد سيتقدم صفوف حزب «ليكود» ويواصل تقاليد الأطماع والدهاء التي نجح نتنياهو في إرسائها في السياسة الإسرائيلية؟