فهد المضحكي

لم يكنْ بمقدور الإسلام السياسي بكل تفرعاته أن يؤسس قاعدة للمجتمع الديمقراطي؛ لأن ببساطة الديمقراطية لابد لها من ديمقراطيين. والإسلاميون المتشددون أبعد عن ذلك، وإن أهم مرتكزات التيار الإسلاموي توظيف النصوص والأحكام الدينية لخدمة السياسة وللحزب الديني الذي يستغل العاطفة الدينية.
وليس الحديث عن توظيف الاسلام السياسي للدين لأغراض سياسية بجديد بل إنه يعود الى عصور قديمة، كما أن أسلمة الدولة والمجتمع من أهداف هذا التوظيف!
ويظل العنف والارهاب أهم الوسائل لتنفيذ هذه الأهداف والأجندة!
وهو ما تجلى بوضوح – على سبيل المثال – في مصر في زمن تصدر فيه الاخوان المسلمين المشهد السياسي، أي عندما وصلوا الى السلطة بطرق ملتوية إقصائية اعتمدوا الارهاب والتخوين والتهميش للقوى السياسية الأخرى بغية السيطرة على أجهزة الدولة وتوظيفها لصالح الجماعة.
وهو ما يعني أن القوى المتأسلمة تتعامل مع الديمقراطية من حيث إنها وسيلة وأداة للوصول الى السلطة في حين أن الديمقراطية هي قيم تضمن الحريات وسيادة القانون والمواطنة المتساوية وفصل الدين عن السياسة والفصل بين السلطات... الخ.
وبسبب تعثر هذه القيم في بعض الدول العربية وتشديد القبضة البوليسية غابت المؤسسات الديمقراطية والحقوق!
ولا تختلف أجندة الإسلام السياسي في ايران عن تركيا او في أي بلد آخر، فهي في المقام الأول تعمل لحساب السلطة الدينية سواء كانت سلطة الخلافة أو الإمامية.
وبالعودة إلى توظيف الدين لمصالح سياسية من المناسب أن نسلط الضوء على كتاب «الاخوان وايران خارج المذهب داخل السياسة» إصدار مركز المسبار للدراسات والبحوث عام 2013.
في هذا الإصدار ووفق ما جاء في المقدمة يضع الخطوط العريضة، لدراسة العلاقة المتينة التي تجمع إيران والإخوان المسلمين، على المستوى الفكري والسياسي والتنظيمي.
ونقلاً عن الناشر جاء تمهيد الكتاب بقلم الكاتب والباحث في الحركات الاسلامية عبدالله بن جاد العتيبي موضحًا أن التاريخ الحديث يشير الى أن حركات الاسلام السياسي وخطاباتها قادرة فكريًا وتنظيميًا على عبور الخطوط السياسية والطائفية الحمراء، بغية الوصول لهدف الاستحواذ الكامل على السلطة السياسية، باعتباره هدفًا أسمى يمثل لب الغايات. ويذهب العتيبي الى أن العلاقة بين ضفتي الاسلام السياسي، لا تعدو كونها تحركات نحو السلطة، وإن الدين مجرد سلاح في معركة السياسة لدى هذه التيارات والحركات، ومع نفي التطابق بين الحركات على الجانبين السني والشيعي، إلا أن بعض أحداث التاريخ تعيد نفسها بشكل او بآخر، ووجود التشابه حين يكون كبيرًا يُغرى بالمقارنة، وقراءة الماضي تُعين على استكشاف المستقبل، ومضى يتحدث عن الشيعي الاخواني بدءًا من الأفغاني، مرورًا برحلات التأثير والتأثر المتبادلة بين نواب صفوي، وسيد قطب، والخميني والخامنئي.
ويتحدث اللباحث المصري المختص في الشؤون الايرانية محمد حسن أبو النور عن العلاقات المصرية الايرانية ومن ضمنها العلاقة بين اخوان مصر وطهران، حيث ألقى الضوء على «تاريخية العلاقة بين (الاخوان) و(الخمينيين) والتي توجت بصعودهما الى الحكم، ثم تناول بالتحليل العقلية الاستراتيجية لكل طرف، وإدراكه للطرف الآخر، فضلاً عن الحديث عن العوامل الثلاثة المؤثرة في سير العلاقات في تلك الفترة أي بين عامي 2011 – 2013. وهي مسألة أمن الخليج، والثورة السورية، والعامل الاسرائيلي في وجود حماس باعتبارها رافدًا من روافد التنظيم الدولي للاخوان، والمدعومة في الوقت نفسه من طهران.
أما د. رضوان السيد سلط الأضواء على ولاية المرشد وولاية الفقيه، وتتبع علاقتيهما بحركة الإصلاح الديني، السني والشيعي، والظروف والملابسات التاريخية، من سقوط الخلافة، فانفتاح باب التمثيل لرأس الاسلام السني، او استعادة للولاية من الإمام الغائب عبر (ولي الفقيه) من خلال مناقشة مفاهيم استعادة الخلافة التي بنيت عليها في الاسلام السني مشروعيتها في ذهنية كثير من المسلمين عبر مقولة حسن البناء (الاسلام دين ودولة) التي دخل عبرها لتشكيل نظام عقائدي شامل، استطاع تلخيصه في القول: «الشرعية بكاملها في التنظيم، والواجب الديني يقتضي أن يتولى التنظيم السلطة، فيطبق الشريعة وتقوم الدولة الاسلامية».
فهكذا طوَّع الاسلام السياسي السني الشريعة والمشروعية معًا، (بعد أن طوَّع الاحياء والاصلاح لذات الغرض السياسي، أما الدولة الدينية لدى الشيعة تبدو في نظره طبيعية على نحو ما؛ لأن رجال الدين ينفردون أصلاً بتولي الشأن الديني، لذلك فإن مناطها هو الإمام، فالفقيه الشيعي يحل محل التنظيم الإسلامي السني.
في حين تناول د. عبدالحسين شعبان منظومة الاسلام السياسي بعد الثوات العربية والتحديات التي تعترضها، محللاً العلاقة بين الدين والدولة كما أرساها إسلاميو مصر وايران وتركيا وتونس في مداها التاريخي الراهن.
ويعتقد أن المرحلة القادمة تستشهد صراعًا بين اسلاميين معتدلين واسلاميين متطرفين ومتعصبين، وقد يتطور الصراع الاسلامي الاسلامي في العالم العربي الى قبول فريق منهم بالدولة المدنية – بصورة شكلية – مثلما هو في تركيا، وفريق آخر يواصل مشواره السابق (((بجحه))) الأصول، وسيكون ثمن هذا الصدام باهظًا على الاسلاميين.