عبدالله بن بجاد العتيبي

 أعلنت القوات الأمنية السعودية الأسبوع الماضي تطهيرها الكامل لحي المسوّرة في بلدة العوامية التابعة لمحافظة القطيف في المنطقة الشرقية، وقصة هذا الحي تختزل قصة الإرهاب والتنمية كخيارين متضادين لا يمكنهما التعايش مع بعضهما البعض، فإما الإرهاب وإما التنمية.

مَن فرح بتطهير الحي هم أهلُه وأهلُ المحافظة من المواطنين السعوديين الذين آذاهم الإرهاب وأقض مضاجعهم، وكان بعضهم يخشى من تهديده البشع، فالإرهابيون خطفوا القاضي الجيراني وحاولوا اغتيال نبيه الإبراهيم، وغيرهما، وهم أذاقوا المواطنين صنوف الرعب والتهديد باسم الدين والطائفة وما هم إلا أعداء للدين وللطائفة.
داعمو إرهاب العوّامية طرفان كبيران؛ الأول هو إيران ونظامها الطائفي المعلن في الدستور ووصية الخميني باستهداف السعودية، والثاني هو قطر، التي كانت تدعم الإرهاب في السعودية سنياً وشيعياً، وقصتها مع تنظيم القاعدة معروفة، وقصتها في دعم الإرهاب الشيعي في السعودية معروفة للمتابع ولكنها بدأت اليوم تظهر بعض حقائقها وتفاصيلها للعموم، ولقطر في دعم هذا الإرهاب طريقان: الدعم المادي الذي يتم إيصاله عن طريق بعض الميليشيات الشيعية في العراق، والدعم اللوجيستي والإعلامي، وذلك بتصوير الأمر في العوامية على غير حقيقته وتزوير كل ما يمكن للطعن في الدولة السعودية ودعم الإرهابيين.
إيران عدوٌ كاشحٌ، يظهر العداوة ولا ينفيها، ولكنّ قطر كانت تظهر بمظهر الصديق الموالي وتقوم في الوقت نفسه بدعم كل جماعات الإرهاب سنية وشيعية، ودورها في دعم شيعة البحرين أظهر من أن يحصى أو يعدّ، وحقائقه منشورة ووقائعه معلومة، وهي قامت بدعم تنظيمات الإرهاب الشيعية في اليمن ممثلة بميليشيا الحوثي، كما دعمت ميليشيات الإرهاب الشيعي في العراق بمختلف تسمياتها مادياً ومعنوياً، وهي لم تقصر يوماً في دعم ميليشيا «حزب الله» اللبناني أقدم التنظيمات الإرهابية الشيعية في المنطقة ولم تزل تدعمه وتجري الوساطات في سوريا بين الإرهابيين السنة والإرهابيين الشيعة للقضاء على صوت الشعب السوري ومعارضيه الوطنيين وجيشه الحرّ، وهي هجّرت بلداتٍ سنية بكاملها إرضاءً لجبهة النصرة من جهة ولـ«حزب الله» اللبناني من جهة أخرى.
وقد دعمت قطر كل حركات المعارضة السياسية في الكويت رغبة في زعزعة أمنها وضرب استقرارها ولم ينقطع ذلك، والتحقيقات الجارية في الهروب الكبير لعناصر «خلية العبدلي» ستكشف إن كان لقطر أي دورٍ في دعم التنظيمات الشيعية في الكويت تبعاً لدورها في دعم كل عناصر التخريب هناك، تلك التي كانت تدعمها بالمال والإعلام، والذين يرفعون اليوم أصواتهم عالياً لمهاجمة السعودية والإمارات والبحرين ومصر، دفاعاً عن راعيتهم وداعمتهم قطر.
بنفس التفكير وذات الاستراتيجية راهنت قطر على خلخلة الأمن في المنطقة الشرقية في السعودية، وتحديداً في الأوساط الشيعية، وسهّل عليها الالتقاء بهم ودعمهم علاقاتها العميقة مع داعمتهم الكبرى إيران، وعلاقاتها مع إرهابيي الشيعة في دول الجوار السعودي في العراق شمالاً وفي اليمن جنوباً، وكذلك في سوريا ولبنان، وقد كانت توصل هذا الدعم عن طريق بعض الميليشيات الشيعية في العراق، تحت تسميات متعددة، فإما الفدية للمختطفين كما جرى في الصفقة الأخيرة وإما تحت غطاء دعمٍ لمراكز أبحاثٍ ودراساتٍ أو دور نشرٍ أو غيرها، تختلف الأساليب والطرق ويبقى دعم الإرهاب غاية لصانع القرار القطري.
بمجرد أن انطلقت مقاطعة الدول الأربع لقطر انخفض معدل الإرهاب في المنطقة، سنياً وشيعياً، وقد تمّ الحديث عن الإرهاب السني من قبل، وها هو حي المسورة يتمّ تطهيره بالكامل من رجس الإرهابيين بعد قطع الدعم القطري عنهم وبعد وضع قطر أمام مجهر الرصد الدولي لتصرفاتها وسياساتها ودعمها للإرهاب.
الخيار المقابل لخيار الإرهاب هو خيار التنمية، وقد انحاز أهل القطيف وأهل العوّامية وأهل حي المسورة لخيار التنمية وخيار الدولة وخيار المواطنة، وأصدرت مجموعة كبيرة منهم بياناً يدعم موقف الدولة بشكل صريحٍ وقوي، وقد فعل ذلك من قبل أهل حي المسورة حين وقعوا على مشروع تطوير الحي الذي سيكون عند انتهائه بعد سنتين من الآن نموذجاً تنموياً مبهراً.
لم تعرف المنطقة الشرقية في السعودية أي إرهاب قبل قيام الثورة الخمينية في إيران، وهذا لا ينفي أن أهالي المنطقة من الطائفة الشيعية الكريمة كانت لهم مطالباتٌ تنموية وحقوقية قبل وبعد ذلك، ولكن الحديث هنا عن الإرهاب تحديداً. ينتمي هؤلاء الإرهابيون لمشروعٍ خارجي وأجندة إيرانية، وقطرية في بعض جوانبها، وليست لديهم أي مطالباتٍ إصلاحية أو تطويرية وطنية.
سقط مع سقوط جدران حي المسورة كل ما يستر عورة من يزعمون المعارضة السياسية في المنافي وظهروا على حقيقتهم كعملاء وخونة لا يعنيهم الوطن ولا يقيمون له حساباً، بل هم منحازون بالكامل للمشروع الإيراني في المنطقة ويتمنون سقوط الوطن خدمة للعدو الخارجي، والأهم في هذا السياق أنهم انفضحوا بالنسبة للمواطنين أنفسهم الذين يزعمون الدفاع عنهم.
النهضة السعودية الشاملة التي انطلقت مع رؤية 2030 والتي أخذت تتجلى مشاريع تنموية كبرى في كل مناطق السعودية أصبحت شمساً يحترق تحتها خفافيش الظلام وعملاء إيران والإخوان والإرهاب، وتعزز معها الشعور الوطني وانكفأ كل المحرضين وانفضح كل المبررين لأي عملٍ تخريبي، وأصبحت بوصلة السعودية تتجه للمستقبل وبنائه على أسس راسخة تكون مجالاً رحباً لشباب الوطن لخدمته والتميز والإنجاز والإبداع له وبه.
حدثان مهمان رافقا تطهير حي المسورة من الإرهابيين؛ أحدهما الموقف الذي أعلنت عنه وزارة الداخلية السعودية بمعاقبة كل من يتطاول بكلامٍ طائفي مقيتٍ يخرج عن سياق المواطنة الجامعة، في استمرارٍ لسياسة ثابتة في الدولة السعودية الحديثة، ولأن هذا النوع من الحديث الطائفي فيه خدمة للمشروع الإيراني المعادي لأن فيه تعزيزاً للطائفية التي تستخدمها إيران كسلاحٍ سياسي للتخريب ودعم الفوضى، وثانيهما، تسليم ثلاثة من المطلوبين من هذه الجماعات الإرهابية لأنفسهم واستقبال أمير المنطقة الشرقية لهم، وهذا نجاح للدولة بقدرتها على احتواء من انخرط في مثل هذه التنظيمات الإرهابية، ذلك أن العودة لحضن الوطن مهما عظم الجرم هي الخيار الصحيح.
أخيراً، فعلى صخرة وحدة الأوطان واستقرارها تتكسر كل مؤامرات الأعداء وينتهي كل العملاء والخونة، وما حي المسوّرة إلا نموذجٌ معبرٌ يستحق التأمل.