مشاري الذايدي 

كل أهالي الدول الخليجية، حزنوا على فراق فنانهم الأول، السهل الممتنع، العميد، عاشق الكويت، عبد الحسين عبد الرضا محمد عوض، أو قل «بوعدنان».
الموت هو النهاية الجبرية، وكان بوعدنان متصالحاً وضاحكاً ومسلّماً بطريقته الساخرة مع ذلك، ولكن يبقى للفراق لوعته، ليس فقط لأسرة وزملاء عبد الحسين في المسيرة الفنية، بل في داخل كل بيت بالسعودية والبحرين وقطر والإمارات وعمان، وغيرها من البلدان.
لماذا؟
لأن الراحل شكّل ذاكرة للناس، للتحولات في مجتمعات الخليج، من عهود الشحّ لطفرة الوفرة، من بيوت الطين والحجر، لفلل القرميد والحدائق الخلفية والمسابح الملحقة، من زمن «الشربيت والقريض وحلاو الصعو» إلى مصايف أوروبا الحديثة ومتع الأكل والشراب العجيبة.
هو الفتى الحالم بالطفرة السريعة، حسين بن عاقول، في درب الزلق، وهو ضحية بيت العز، وهو «سند» الذي صال وجال بين هامان وفرعون، وهو «بوردح» الشاطر، والعشّاب أو «الحوّاج» الداهية خفيف الظل في سوق المقاصيص... وغير ذلك من لوحات رسمت في مرسم الذاكرة الخليجية الجمعية.
هو ولد الديرة العتيق، فريج العوازم، الذي كان جلّ أبناء الفريج إخوة له من الرضاع، حيث كانت دماء ولبان أهل الكويت ممتزجة.
رحيل مؤثر بلا ريب، ولذا اتحد الناس من أهل الخليج في رثاء «ابنهم» الذي أضحكهم وأبكاهم عبد الحسين، وبالدرجة نفسها غضبوا غضبة حمراء على من تواقح في يوم الرحيل وحاول نفث سمومه الطائفية المريضة، بحق رجل كان مخلصاً لوطنه الكويت حدّ الوله.
تجاوبت مع الغضبة الشعبية التلقائية بحق من أساء للراحل العظيم، سلطات القانون، فأصدر النائب العام في السعودية قراراً باستدعاء بعض المغردين المسيئين للوحدة الوطنية المثيرين لـ«نعرات الكراهية والطائفية والتصنيفات الفكرية والمذهبية ومحاولات تضليل الرأي العام»، كما جاء بنص النائب العام السعودي، الشيخ سعود المعجب، نفسه، وذلك: «تأسيساً على ما للنيابة العامة من ولاية عامة تخولها تحريك الدعاوى الجزائية في جميع الجرائم وفق المواد (13 - 15 - 17) من نظام الإجراءات الجزائية».
طبعاً القانون يسري على كل مثير للشر، بإثارة الطائفية أو بمساندة «داعش» و«القاعدة»، مثلاً.
أما وزارة الثقافة والإعلام السعودية فاستدعت المغرد اليمني، علي الربيعي، الذي أغضب الناس بتغريدته السوداء بـ«تويتر» عن أبي عدنان، وتم تحويله للجنة المخالفات والنشر.
عسى أن يكون هذا الحب الجارف لابن الخليج المحبوب، الفنان عبد الحسين عبد الرضا، باباً للخير، وسبباً لبثّ السلم ووأد الفتنة... لعن الله من أيقظها.
كان «بوعدنان» جامعاً للناس من حوله في حياته، وسبباً لهطول المشاعر الطيبّة بعد مماته. وهكذا هو شأن مالئي الدنيا وشاغلي الناس.