سطام المقرن

بعض الدعاة يرون أنفسهم بأنهم شهداء الله في أرضه، بل هم يخبِرون بحكم الله، الذي تجهله البشرية وتجادل فيه بلا علم

يقول أحد الباحثين عن بداية «صكوك الغفران» ما نصه: «عندما أراد البابا (لاون العاشر)، أن يقوم ببناء كنيسة خاصة بالقديس بطرس وذلك في مدينة روما، قام بإصدار مجموعة من الصكوك وذلك من أجل القيام ببيعها وجمع الأموال التي ستأتي منها كنتاج لعملية البيع تلك والقيام ببناء الكنيسة الجديدة»، وبالتالي فإن هذه الصكوك عبارة عن «الصفح والغفران عن تلك الخطايا التي قام الإنسان بارتكابها وإعفائه من العقاب عليها، وبعد أن يقوم الفرد بالاعتراف للكاهن عن كل ما قد قام بفعله من خطايا وذنوب وبعدها تتم قبول توبته عن طريق منحه تلك الوثيقة الخطية الصادرة من الكنيسة والتي تؤكد حصوله على الغفران والتوبة».
في الحقيقة، صكوك الغفران لا ترتبط بالديانة المسيحية وحدها وإنما هي موجودة في جميع الأديان والملل، وهي لا تختلف إلا في الصور والأشكال، ويبقى مضمون الفكرة واحد، فعلى سبيل المثال يقول أحد الدعاة عن حكم التعزية والدعاء لموت الفنان «عبدالحسين عبدالرضا» رحمه الله، بأن ذلك لا يجوز وقد نهى الله المسلمين أن يدعو بالرحمة والمغفرة للمشركين!، ويقول آخر «لم أكن أتصور الجهل بلغ إلى هذا المستوى حين قرأت لمن يترحم على هذا... فعلاً لازلنا نحتاج إلى زيادة وعي»!، وليس هذا وحسب بل ربط مسألة الترحم على الأموات بعقيدة الولاء والبراء!.
ويستند هؤلاء الدعاة وغيرهم في ذلك الحكم إلى أن الكفار هم في النار خالدين فيها، وأن الجنة عليهم حرام، وأنه تعالى لعنهم، ولن يغفر لهم، ونهيه تعالى عن الاستغفار لهم، وبيان أنهم شر المخلوقات، قال الله تعالى: {إن الذين كفروا وماتوا وهم كفار أولئك عليهم لعنة الله والملائكة والناس أجمعين خالدين فيها لا يخفف عنهم العذاب ولا هم ينظرون}.
وعلى هذا الأساس، يطلق بعض الدعاة أحكامهم الشخصية على الآخرين ويتهمونهم بالكفر والشرك لمجرد اختلافهم في الدين أو المذهب، فيقولون بأن فلان لا يجوز الترحم عليه أو الدعاء له، وكأن مثل هذه الأحكام بمثابة توزيع لصكوك نار جهنم على الناس، وفي المقابل أيضاً، فإنه لا يدخل الجنة إلا من يراه هؤلاء الدعاة من المؤمنين، والإيمان من وجهة نظرهم هو من يكون على نفس الدين أو المذهب وهذا بالطبع يعتبر توزيعا لصكوك الجنة والمغفرة!.
جاء في الحديث الشريف عن أبي هريرة قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «كان رجلان في بني إسرائيل متواخيين أحدهما يذنب والآخر مجتهد في العبادة، فكان لا يزال المجتهد يرى الآخر على الذنب فيقول: أقصر، فوجده يوما على الذنب فقال: له أقصر فقال: خلني وربي، أبعثت علي رقيبا؟ فقال: والله لا يغفر الله لك أو لا يدخلك الله الجنة، فقبض روحاهما فاجتمعا عند رب العالمين فقال لهذا المجتهد: كنت بي عالما أو كنت على ما في يدي قادرا، وقال للمذنب: اذهب فادخل الجنة برحمتي، وقال للآخر: اذهبوا به إلى النار».
بالرغم من أن الحديث النبوي السابق يؤكد على أن حساب الناس على معتقداتهم يكون في الآخرة، وأن الله سبحانه هو حسيبهم يوم القيامة، وأن مسألة الحكم على أي إنسان بأنه كافر أو مشرك لا يعلمها إلا الله وحده، ولكن بعض الدعاة ورجال الدين يرون أنفسهم بأنهم شهداء الله في أرضه، بل هم يخبرون بحكم الله، الذي تجهله البشرية وتجادل فيه بلا علم، وهذه المسألة في رأيهم من المسائل الظاهرة البينة في دين الإسلام، والآيات الدالة على أن الكفار في النار ولا تنفعهم أعمالهم ولا الدعاء لهم ولا الاستغفار لهم!.
لنتأمل قول الله عز وجل: {وقالت اليهود ليست النصارى على شيء وقالت النصارى ليست اليهود على شيء وهم يتلون الكتاب كذلك قال الذين لا يعلمون مثل قولهم فالله يحكم بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون }البقرة 113، وجاء في التفسير الميسر عن معنى هذه الآية: «قالت اليهود: ليست النصارى على شيء من الدين الصحيح، وكذلك قالت النصارى في اليهود وهم يقرؤون التوراة والإنجيل، وفيهما وجوب الإيمان بالأنبياء جميعا. كذلك قال الذين لا يعلمون من مشركي العرب وغيرهم مثل قولهم، أي قالوا لكل ذي دين: لست على شيء، فالله يفصل بينهم يوم القيامة فيما اختلفوا فيه من أمر الدين، ويجازي كلا بعمله».
ولنتأمل أيضا قول الله تعالى: {وقالت اليهود والنصارى نحن أبناء الله وأحباؤه قل فلم يعذبكم بذنوبكم بل أنتم بشر ممن خلق يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء ولله ملك السماوات والأرض وما بينهما وإليه المصير } المائدة 18، وفي هذه الآية تأكيد على أن اليهود والنصارى خلق مثل سائر البشر، إن أحسنوا كان جزاؤهم خيراً، وإن أساؤوا كانت إساءتهم شراً، فإلى الله المرجع، يحكم بين عباده، ويجازي كلا بما يستحق، وهذا ما ينطبق على سائر الناس جميعاً.