زهير الحارثي

مناسبة الحج حدث ديني مهيب واستثنائي للعالم الإسلامي له شروطه وواجباته ويتابعه المليارات، فكان من الطبيعي أن تعلن السعودية بحزم رفضها لتحويل ساحة موسم الحج ميدانا لأجندة سياسية وأنها ستتصدى لأي عمل أو سلوك يسبب فوضى أو يهدد سلامة الحجاج..

تُرى لو سمحت السعودية للأحوازيين ومعارضي النظام الإيراني برفع شعارات ضد الجمهورية الإيرانية في موسم الحج فهل ستقبل طهران بذلك؟ وماذا لو فتحت الباب لمعارضي المخطط الإخواني في العالم الإسلامي برفع شعاراتهم في الحج مثلا فماذا سيكون موقف جماعة الإخوان والدول التي ترعاهم؟ ولو غضت السعودية النظر عن احتجاجات الأكراد ضد تركيا فكيف ستكون ردة فعل أنقرة ولو سمحت بشعارات المنتمين لجبهة البوليساريو فيا ترى ما هو موقف المملكة المغربية؟ وعلى هذا قس فالأمثلة كثيرة وبالتالي سيكون المشهد كارثيا وفوضويا وأبعد ما يكون عن قيمة ومكانة ومغزى هكذا فريضة فيما لو فتحت المملكة الباب لهكذا ممارسات. إذن الصورة واضحة هنا ما يعني تفهم موقف المملكة بعدم سماحها لأي من كان بتسييس الحج فالمسألة لديها هي مبدأ في المقام الأول لا تحيد عنه وتتعامل به مع الجميع دون تمييز أو استثناء وبالتالي ليست مواقف انتقائية كما تُتهم بها السعودية من قبل البعض.

مناسبة الحج حدث ديني مهيب واستثنائي للعالم الإسلامي له شروطه وواجباته ويتابعه المليارات، فكان من الطبيعي أن تعلن السعودية بحزم رفضها لتحويل ساحة موسم الحج ميدانا لأجندة سياسية وأنها ستتصدى لأي عمل أو سلوك يسبب فوضى أو يهدد سلامة الحجاج. التسييس مرفوض شرعا لأنه يتعارض مع هدف ومغزى الحج وغير مقبول لا أخلاقيا ولا إنسانيا لأنه يمثل انتهاكا حقوقيا يمس حق ضيوف الرحمن في أداء الشعيرة بكل هدوء وطمأنينة. هذه الشعيرة لا يلبث البعض أن يستغلها في ترويج شعاراته السياسية وحساباته الحزبية التي لا صلة لها بأقدس فرائض الإسلام. ورغم أن الجميع موقنون بأن الحج شعيرة معدودة الأيام ومحددة الزمان والمكان وأن ضيوف الرحمن ما جاؤوا إلا لطلب المغفرة وأداء المناسك بسكينة وطمأنينة، إلا أن أولئك المشاغبين وبرغم كل ذلك لا يترددون في توظيف الحج لأجندتهم السياسية أو المذهبية غير مبالين بتعكير صفو هذه المناسبة الدينية العظيمة وبقصد أيضا تشويه سمعة السعودية وإظهارها على أنها دولة ذات طابع طائفي، ومع ذلك تتعامل دائما السعودية بحكمة وروية وتنفذ تعليمات صارمة يتم تطبيقها على الجميع دون تمييز.

ولكي نمضي إلى المزيد من الشفافية، نقول إن المتاجرة بالشعارات وإقحام هذا الأمر في خلافات سياسية واختلاق القصص المثيرة ونسج الفبركات كما فعلت دولة قطر هو نهج مرفوض وعقيم يتقارب مع الأسلوب الإيراني الذي اعتدنا عليه مع بداية كل موسم حج. هذه سلوكيات مخجلة تعكس حالة من الإفلاس السياسي والخواء الأخلاقي ولن تؤثر على حقائق الأشياء فهي مثل الغمامة لا تلبث أن تنقشع في أول هبة ريح. رفع شعارات على جبل عرفات يعتبر تصرفا سافرا يتعارض مع روحانية الشعيرة ورمزية المكان والزمان، على اعتبار أن الحج هو أكبر مؤتمر إسلامي على وجه الأرض ما يجعل المناسبة فرصة لإيصال رسائل سياسية فالعالم يتابع هذا الحدث المهيب. مراسم البراءة من المشركين في عرفات على سبيل المثال تندرج في هذا السياق وهو يخالف ما التزمت به إيران علنا والذاكرة تنزف مواقف مؤلمة سبق عشناها لممارسات من قبل بعض الحجاج الإيرانيين.

نأمل وما زلنا أن تلتزم إيران بالتعهدات التي قطعتها على نفسها وعدم القيام بما هو خارج هذه المناسك التعبدية. السعوديون شرفهم الله سبحانه وتعالى بخدمة الحرمين الشريفين وهي ليست بحثا عن دعاية وأضواء أو منة على أحد، بدليل تعليقات الحجاج أنفسهم وتقديرهم للجهود المبذولة. السعودية لا تكف عن مناشدة الحجاج بالامتناع عن ترديد شعارات ما أنزل الله بها من سلطان، مطالبة الانقطاع إلى عبادة الله وحده فمناسك الحج ثابتة وغير قابلة للاجتهاد.

السعودية عندما ترفض تسييس الحج فإنها بذلك تقف ضد تصدير أزمات هذه الدولة أو تلك أو شعار هذه الفئة أو تلك الى موسم الحج، كون فيها إساءة لشعائر الدين الحنيف فضلا عن مساسها بأمن الحجاج.