فاطمة آل تيسان

لن يكون هناك شخص قوي الإيمان والحجة، سليم العقل والفكر، يمشي بين الناس بالفتنة وإثارة النعرات التي تفضي بهم إلى التباغض والتناحر، وهذا الطريق لا يسلكه إلا معتل في عقله بالتطرف وفي قلبه بالكراهية للإنسانية، لذلك فنهجه النقد الدائم والاستهزاء بالآخرين، بل قد يصل به الأمر إلى الشماتة فيهم أن وقع عليهم حكم الله بوفاة أو حتى حادث عارض، ويمارس كل ذلك تحت مظلة التدين ومعرفة بمن هم على هدى أو هم في ضلالة.
ومن هذا المنطلق ومن واقع الحرية المتاحة له في وسائل التواصل الاجتماعي ينبري مشرعا ومفتيا في مسائل الحلال والحرام وعقائد البشر ليكفر هذا ويزكي ذلك، معتمدا على مخزون هائل من ثقافة العداء والكراهية التي تنامت بشكل مرعب لدى البعض، فأصبح يتحين الفرص التي تصنعها الأحداث ليطل على الجماهير فارضا رأيه عليهم ومحذرا من مغبة أي تعاطف إنساني مع من وصفهم بالكفار لأنهم فقط لا يتفقون ومنهجه، وهذا النموذج التكفيري هو من أثار حفيظة الخليجيين بفتواه حول مسألة الترحم على الفنان الخليجي الراحل عبدالحسين عبدالرضا، والذي قدم للإنسانية بكافة أطيافها ما يعجز هو عن تقديم اليسير منه، وكان عزاء ذوي الفنان ومحبيه هو ذلك الاستنكار الذي قوبلت به تغريداته المسيئة من كافة أطياف المجتمع السعودي، وذلك التحرك السريع لوزارة الإعلام لمحاسبة هذا المسيء وأشباهه.
ومع علمنا أن هذه النماذج ولله الحمد انحسر وجودها إلا أنه لا زال لها فلول، والحد من أذيتها هو في ملاحقتها وعدم ترك الفرصة لها لإثارة التطرف والعدائية بين أفراد المجتمع، خصوصا وهذا الداء كما نعلم شتت دولا وقضى على أخرى، وكل من يتخذه سبيلا فلاشك أنه يضمر الشر للوطن وأبنائه، وليس من عاقل يظن أن مثل هؤلاء يمكن السكوت عنهم، لأنهم خطر داهم، ولاريب في أن المحاسبة ستطالهم يوما ما. ما قد يخفى على بعضنا أن هؤلاء لا يكفون عن التكفير والإساءة حتى للمواطنين في الداخل، وبين فترة وأخرى يخرج لنا أحدهم مكفرا طائفة أو جماعة، ناعتا إياها بأقذع الصفات، ويتفاعل معه الكثيرون من المبتلين بهذا المرض، غير أن إساءاته مع الأسف تمر دون حساب، ولو أن الإجراء المتخذ من قبل الجهات المختصة طبق على من يسيء للمواطنين في الداخل كما طبق أخيرا على من أساء لمواطني دول الجوار لتخلصنا من وباء خطير ينسل في المجتمع بهدوء لينخر أمنه ووحدته، زارعا في العمق بذرة الانقسام والعدائية، وهذا الأمر خطير جدا إن لم نفطن له ونقطع دابر من يسعى إلى تأصيله بيننا بسن قوانين رادعة توقف من تسول له نفسه أن يسلك هذا الطريق المعوج، والذي كما نقول ونكرر لا يخدم إلا الأعداء المتربصين من حولنا.