عبدالله العوضي

يتحمل أي مجتمع طبيعي الضغط على العضل أحياناً، ولكنه ما إن يصل إلى العصب، فإن الأمور سرعان ما تأخذ وضعاً آخر من الاستفزاز والاستنفار والاهتزاز إلى مرحلة الزلزال.

هذا عندما لا يشكو أي مجتمع من أي طارئ، أما إذا دخل الوضع إلى مرحلة المقاطعة أو الحظر أو الحصار، فحديثنا عن اقتصاد قطر المقاطع من قبل الدول الأربع، نرى كيف تمضي بعد مرور أكثر من شهرين على أزمتها السياسية- الاقتصادية.

قطر منذ اليوم الأول أعلنت على لسان أحد كبار مسؤوليها عن تأثرها اقتصادياً عندما اعترفت بأن الأسعار تضاعفت عشر مرات عمّا قبل المقاطعة، وهو مؤشر حيوي في القياس على جزيئات حركة الاقتصاد اليومية في حياة الناس العاديين الذين ليس لهم ناقة ولا جمل في ما اقترفته السياسة الخارجية على خط الإرهاب والاستمرار في تمويله وتدفقه على مشعلي الفتن ومروجيها قولاً وفعلاً.
في اليوم الثاني كابرت قطر على أثر الاقتصاد السلبي في حياة الشعب وتعاملت مع الأحداث كما تعامل «قطاع غزة» مع الحصار الإسرائيلي في تشبيه غير مقنع ولا موفق، بدليل أن الأبقار الكندية وصلت إلى قطر دون «غزة».

فلنتحدث سياسة اقتصادية قليلاً ونضرب مثلاً بالصين ذات الأكثر من مليار نسمة، عندما طلبت منها أميركا التدخل سياسياً أكثر في مشاكل العالم على المستوى الدولي أبت بشدة، وقالت بأن همها الاقتصاد أولاً ويكفيها فخراً بأنها توفر للعالم سنوياً عشرات الملايين من فرص العمل خارج حدودها، وعندما تأزمت الأمور بينها وبين أميركا، لم تصلها غير لغة الاقتصاد التي نطقت بها هيلاري بقولها في آخر زيارة لها إلى الصين: «إذا سقطت الصين اقتصادياً، فإن أميركا تسقط من ورائها والعكس صحيح».

نقول هذا لقطر حتى لا تنفي واقعها بعبارات أنيقة، فهي لا تسعفها للخروج من أزمتها ليس مع شعبها فقط، وإنما مع كل ساكنيها، فقد صرح أحد الخبراء الاقتصاديين من إحدى الدول المقاطعة من غير الأربع بأن جالية دولته تبلغ قرابة 50 ألف نسمة في قطر معظمهم لا يملكون ثمن تذكرة العودة إلى بلادهم لقضاء عطلة الصيف كالمعتاد، هذا بالنسبة لسعر التذاكر، فما بال الضرورات المكملة الأخرى التي تصاحب من يزور أهله بعد انقطاع طويل، علماً بأن تجار التجزئة في قطر كانوا يستقبلون من تلك الدولة يومياً خمسمائة شاحنة تمثل الأغذية الاستهلاكية التي أثرت على خسائر القطريين، فليقم أحد خبراء الاقتصاد في قطر بنشرها بدل التعلق بشماعة الحصار والسيادة في آن.

نسمح قليلاً للغة الاقتصاد الرقمي بالتحدث عن الحالة القطرية التي تنكرها القيادة هناك، فالخبراء يقولون بأن سحب الودائع فقط يكلف قطر 21 ملياراً من الدولارات، و«بلومبيرج» تقر بأن نصف المستثمرين التقليديين في قطر يقطعون روابطهم معها.

ففي مجال التجارة الخارجية تشير الإحصاءات إلى أن الصادرات القطرية التي بلغت 65 مليار دولار في عام 2016، ذهب ما قيمته 6.5 مليار دولار منها، أو ما يساوي 10% إلى أسواق السعودية والإمارات والبحرين ومصر، كما أن الواردات القطرية التي بلغت نحو 34 مليار دولار في العام نفسه جاء نحو 5.1 مليار دولار أو نحو 15% منها، من دول الخليج الثلاث ومعها مصر.

وهو ما يعني أن قطع العلاقات مع قطر يهدد استقرار نحو 11% من التجارة الخارجية للدوحة، بما يبلغ 11.6 مليار دولار سنوياً.

وكذلك يمر عبر معبر «أبو سمرة» المنفذ البري الوحيد الذي يربط قطر بالسعودية، نحو 800 شاحنة يومياً تحمل السلع الاستهلاكية.

وتزداد هذه الأزمة حدة مع قيام السعودية والإمارات والبحرين بإيقاف ممرات الملاحة البحرية والجوية مع قطر، ومن المرجح أن تكون أسواق السلع الاستهلاكية القطرية هي الأكثر تأثراً وهي تشكل 27% من الواردات من الدول الثلاث وتمثل الأغذية والحيوانات 16% من تلك الواردات.

ولقد تم تخفيض التصنيف الائتماني الممنوح لقطر إلى AA3 بدلاً من AA2، وتراجع المؤشر العام للسوق القطرية إلى أكثر من 8%، وفقد سعر «بنك قطر الوطني» أكبر بنك في البلاد أكثر من 10% من قيمته.

ولا زال حبل قطر على الجرار وخاصة في هروبها الاقتصادي إلى الخارج للعب مع «نيمار» بحوالي أكثر من نصف مليار دولار، وشراء زوارق حربية من إيطاليا بأكثر من خمسة مليارات دولار، وهكذا دواليك في الوقت الذي تعلن إيران عن تخصيص محافظة بأكملها لإطعام الشعب القطري، بدل أن تطعم 15 مليون إيراني تحت خطر الفقر، وهذا غيض من فيض أزمتها الخلاقة للعبث بأمن واستقرار المنطقة برمتها بلا رادع ولا عودة حكيمة، بل ليس لديها غير التمدد نحو جمهورية مالي والهند.