سمير عطا الله 

أعدتُ في الأسابيع الماضية قراءة ما تيسّر من النصوص المتعلقة بثورة 23 يوليو لمناسبة مرور 65 عاماً على قيامها. وأقصد «بالنصوص» كل ما هو شبه رسمي من وثائق ومذكرات، وليس ما كُتب من تحاليل وروايات وحملات متعاكسة.

وخلاصة القراءات أن 23 يوليو، مثل كل ثورة في التاريخ، بدأت في مكان وانتهت في آخر. ومنذ اللحظة الأولى بدأت بالتباين في الرؤية بين الضباط الأحرار. وفي المرحلة الأولى نرى عبد الناصر في صف واحد مع يوسف صديق وخالد محيي الدين في الإصرار على الديمقراطية، وإلغاء السجن السياسي، وعدم التعرض لأملاك الناس. ومن ثم نرى صدِيق مبعداً ومعتقلاً. وفي بدايات الثورة نرى أحمد أبو الفتح صديقاً لعبد الناصر. بل إن اجتماعات الضباط الأحرار تُعقد قبل الثورة في مكتبه في رئاسة تحرير «المصري»، جريدة «الوفد». ومن ثم نرى حرباً أعلنت على أسرة أبو الفتح وعلى «الوفد». ونرى في البداية جناحاً من الضباط الأحرار يرفض التعرض لـ«الوفد» وإرث سعد زغلول ورجال الاستقلال، لكن جناحاً آخر يصر على العكس وإلغاء الجميع ومحاكمتهم، بمن فيهم مصطفى النحاس باشا. غير أن عدداً من أعضاء مجلس الثورة هددوا بالاستقالة إذا ما تم التعرض لخلف سعد زغلول. أو «سعد» كما كان يسمي المصريون «أباهم».
من الصعب أن نبحث عن الحقيقة بعد 65 عاماً، مهما توافرت النصوص والوثائق. وربما كان الوزير سامي شرف أقرب الناس إلى عبد الناصر، مهنة وقلباً. لكنه يعتبر نفسه الحارس الأخير لإرث عبد الناصر، وليس مؤرخاً، أو شاهداً عادياً. ففيما كتبت معظم المذكرات لكي يتنصل أصحابها مما حدث خلال المرحلة الناصرية، بقي هو مصراً على دور أمين السر. ولكن هل يستطيع رجل واحد أن يتصدى لملايين السطور التي كتبت في نقد 23 يوليو؟ ألم يكن كافياً، مثلاً، أن يعيد أنور السادات الاعتبار إلى محمود أبو الفتح، الذي رفض عبد الناصر أن يدفن في مصر، فمنحه الحبيب بورقيبة تعويضاً من ترابها؟
مات أبو الفتح في سويسرا. لا يجرؤ أحد على ذكر اسمه سوى نقيب الصحافة اللبنانية زهير عسيران، الذي كان مراسل «المصري» المتجول في العالم العربي. وعندما سُجن مصطفى أمين، لم يجرؤ أحد على الدفاع عنه أمام عبد الناصر سوى سعيد فريحة. وكان سعيد فريحة يرشي السجان لكي يهرِّب إلى مصطفى الورق والأقلام وشيئاً من البقلاوة اللبنانية. تصوَّر، مؤسس الصحافة المصرية الحديثة، من دون ورقة وقلم، يوسّعان دنيا الزنزانة!