أحمد الغز

هل بعد أوجاع العرب في العراق وأوجاع أميركا في العراق، جاء دور أوجاع إيران في العراق؟

صدمت قبل سنوات عندما استمعت إلى حوار في جامعة الدول العربية بين مسؤولين كبار حول إعادة ترتيب الأولويات العربية وتحديداً الأزمات، إذ كان هناك من يعتبر أن أزمة العراق تقدّمت على أزمة فلسطين. ولم يكن الحوار عابراً، بل بمنتهى الجدية مع كمّ هائل من المعطيات والوقائع التي تقول إنّ أزمة العراق أصبحت تتقدم على أزمات العرب بدون استثناء، بما فيها قضية فلسطين التي يجمع العرب على أنها قضيتهم الأولى. 
اليوم وبعد سنوات على ذلك الحوار لا بدّ من وقفة تأمّل في الحقائق والوقائع والنتائج المؤلمة التي تسبّبت فيها تداعيات العراق على الوطن العربي عموماً، والخليج والمشرق بشكل خاص، بدءاً من حرب الخليج الأولى، والتي جاءت بعد ظهور النظام الإيراني الجديد في عام 1979. وقد استمرت حرب الخليج الأولى ثماني سنوات من 1980 إلى 1988، وكانت شديدة الكلفة على العرب والعراق، كما غيّرت في طبيعة التوازنات، ومن نتائجها حرب الخليج الثانية، واحتلال صدام حسين الكويت. وكانت نتائج هذه الحرب بالغة الأثر على العرب ودول الخليج بالذات. وبذلك تكون أكلاف العراق على العرب في حرب الخليج الأولى والثانية أكبر من نكبات فلسطين ونكساتها.
عاشت بغداد سنوات عجافا بعد تحرير الكويت والحصار الذي فرض على النظام العراقي بقرار النفط مقابل الغذاء، والذي استمر اثني عشر عاماً، من 1991 إلى حرب الخليج الثالثة في 2003. خلال هذه السنوات تفكّكت الدولة والمجتمع العراقي، وحوصرت السلطة في بغداد، وسادت الفوضى في الجنوب والشمال، مما سهل عملية الاحتلال وسقوط بغداد وضياع العراق نهائياً. ودخلت القوات الأميركية والبريطانية إلى بغداد بعد أيام قليلة، وكلّف المندوب الأميركي بريمر بقيادة العملية الانتقالية، وظهرت خريطة العراق الجديد المقسّم إلى ثلاث وحدات وسط وجنوب وشمال. 
عاشت أميركا أياماً صعبة في العراق. وبعد أن كانت العراق مأساة العرب أصبحت مأزق أميركا، حيث لم تستطع التحكم في العملية الانتقالية. وقد أقامت حلفاً مع إيران التي أدخلت قوات بدر الموالية لها مع القوات الأميركية. وبدأت ملامح كانتونات عراقية بالظهور، وكان أكثرها تنظيما هو إقليم كردستان. واجهت أميركا مقاومة شديدة، وخسرت حوالي 4400 ضابط وجندي، وتريليونات الدولارات، وأصبح العراق بالنسبة للأميركيين «فيتنام» جديدة. وقد بدأت أوجاع العراق الأميركية تظهر بوضوح من خلال الإعلام الأميركي. وجاء تقرير بيكر هاملتون في عام 2007 ليؤكد على الخطأ الذي ارتكبته إدارة بوش الابن باحتلال العراق، وضرورة الانسحاب وطرد المحافظين الجدد من إدارة بوش الابن. وكانت خسائر أميركا في العراق السبب الأساس في نجاح الرئيس أوباما في الانتخابات، والذي انتخب على أساس التعهّد بالانسحاب من العراق، وهذا ما كان في نهاية 2010. 
اعتقدت إيران أنّها حقّقت بالخروج الأميركي من العراق حلمها الإمبراطوري، من طهران إلى شواطئ المتوسّط مروراً ببغداد ودمشق وبيروت، بالإضافة إلى عمليات الثأر القديمة والحديثة، وخصوصاً حرب الخليج الأولى. كما كانت إيران تتنعّم بالمأزق الأميركي في العراق، في حين كانت المكوّنات العراقية الأخرى تحارب الوجود الأميركي، وتحارب أيضا تنظيم القاعدة عبر صحوات العشائر. واستطاعت إيران أن تبتزّ أميركا لتغطية انسحابها في نهاية 2010 بما عرف باتفاق أربيل، والذي قضى بإقصاء علاوي الفائز بالانتخابات لمصلحة نوري المالكي التابع كلياً لإيران، والذي شهدت العراق في أيامه أخطر أنواع الفساد ومئات آلاف الوظائف الوهمية في الجيش والإدارات، بالإضافة إلى ضياع ما يزيد على 800 مليار دولار من المال العام، استخدمتها إيران في حروبها ونزاعاتها في الوطن العربي، وكانت نتيجتها سقوط العراق خلال ساعات على أيدي تنظيم إرهابي في الموصل عام 2014.
يبدأ الرئيس الإيراني حسن روحاني ولايته الثانية على إيقاع تقرير اللجنة النيابية العراقية التي اتهمت المالكي بالتسبب في سقوط الموصل على أيدي داعش. كما يواجه روحاني في العراق عملية الاستفتاء الكردي حول قيام الدولة الكردية المستقلة، وأثر ذلك على العراق وإيران، بالإضافة إلى عودة الجيش الأميركي إلى العراق والتحالف الدولي الذي حرّر الموصل وأعاد تمركزه في العراق. ويواجه روحاني أيضاً أزمة الميليشيات التي صنعتها إيران في العراق، والتي تحتاج إلى موازنة دول عظمى، بالإضافة إلى الصحوة لدى الشيعة العرب وأن إيران قد استخدمتهم لمصالحها على حساب استقرارهم وهويّتهم العربية والتي قد تضيع إذا ما ذهب الأكراد نحو الدولة المستقلة، مما سيفرض تقسيم الباقي بين السنة والشيعة العرب.
ويبقى السؤال: هل بعد أوجاع العرب في العراق وأوجاع أميركا في العراق، جاء دور أوجاع إيران في العراق؟