مها محمد الشريف

في العالم الواقعي يكون انعدام التوازن موجودا بل سائدا، ولكن يحتمل التحول عطفا على بعض المعطيات، وتحكمه العلاقات الأخوية والتاريخية، تماما مثل العلاقة بين شعبي المملكة العربية السعودية وقطر.

وحرص المملكة واهتمامها الدائم والمستمر براحة حجاج بيت الله الحرام ضمن سياسات تعاقب عليها ملوك وأمراء المملكة منذ قديم الزمان، عملت من أجل خدمات مميزة وسخرت الإمكانات كافة ليؤدي الحجاج مناسكهم بكل ويسر وسهولة واطمئنان.

ولهذا الموقف فإن مسألة استقبال حجاج قطر تتسم بأهمية بالغة، ورسالة من خادم الحرمين الشريفين تجاه العالم و»الدوحة» بعدم تسييس الحج، والحل لن يكون خارج حدود الرياض، ولكن إصرار حكومة قطر على تدويل الأزمة أزال الأقنعة التي تخوض واقعا مفرطا، وفشلت فشلا ذريعا في هذا الجانب.

وفي هذه الأثناء لم تستفد من منصة أوسع وأقرب تطبق جميع الضوابط والموازيين لها تداعيات في العالم الحقيقي وقادرة على إدراك فرص بديلة لا تحدث تصدع في الجدار الخليجي ولها نتائج إيجابية وأكثر ملاءمة خالية من ضجيج الكائنات الدخيلة على مجتمعاتنا.

والرد السعودي على وساطة الشيخ عبدالله آل ثاني كان يحكمه ما يتمتع به الشيخ من سمعة طيبة لدى جميع الأطراف وهو ما تعارف عليه الناس في الجزيرة العربية، والحرص على مصلحة الشعوب وعلى الحجاج القطريين بحكم مكانة محبة شعب قطر لدى السعودية، وتقديرها لمكانة الشيخ عبدالله آل ثاني الذي أعرب عن بالغ شكره وتقديره للملك سلمان على توجيهاته بالسماح بدخول الحجاج القطريين إلى السعودية لأداء مناسك الحج من دون التصاريح الإلكترونية، وذلك بناء على وساطته.

فكان لتلك التوجيهات دلالة على عمق أواصر الأخوة التي تجمع بين الشعب السعودي وشقيقه الشعب القطري، وبين قيادة المملكة العربية السعودية والأسرة المالكة في قطر، وبذلك توافدت على الساحة السياسية عدة احتمالات وتحليلات لكي تنقل على الشاشات جانبا من الأزمة لتكون مدعاة للتأويلات أو القلق العميق، أو تسليط الأضواء على الخطوة الكبيرة التي قدمها الملك سلمان للعالم كافة. لا تقل تميزا أينما وجدت بل تزداد عقلانية لا يصمد كثير أمامها فتجعلهم يدورون في حلقة مفرغة من الحجج والمخاوف.

في قلب أنماط واقعنا ينظر المرء حوله فيجد عقله يتغير حسب عالم ثنائي الأبعاد يعج بالكثير من الحقائق، ويجد حوله اندفاعا لشبكات اجتماعية وفيرة ووعي متحرك يتحول إلى كيفية تجبره على العيش بها، تثير أفكاره الداخلية ليتفاعل مع المستجدات بسرعة فائقة، رغم وجود سيناريوهات مختلفة في كل دولة ينظر إليها بأنها مخالفة للطبيعة البشرية ولكن سرعان ما يتأقلم معها. واليوم الفرد لديه حس سليم وفرضية أولية بكل ما يدور حوله، فعلى صناع القرار في الدوحة أن يعملوا من أجل مصلحة الأمة والمحافظة على نسيجها العربي والخليجي وتأسيس بيئة جديدة تتكيف مع حاجة النفس البشرية للسلم والأمن. تزدهر أينما كانت لا تؤخذ بذنب سياسة الدولة التي تنتمي إليها، فعواقب الإمدادات للإرهاب والإرهابيين لا تقل تطرفا عن الوسط نفسه، فإن هذا المزيج غير المناسب يجعل الشعوب أقل تماسكا وتميزا وتبحث عن الفرص السانحة للحياة في مجتمعات أخرى.