فاتح عبد السلام

النكبة التي حلّت في الجانب الأيمن من الموصل ، ليست حجراً تهدّم ومنائر سقطت وشوارع حفرت وأسواقاً تاريخية وأخرى حديثة اندثرت . هناك مأساة بشرية تعاش كل يوم. حتى هذه اللحظة هناك جثث تحت الانقاض ، لأنها عوائل كاملة تجمعت في بيت واحد لتجنب القصف ولتقاسم كمية الطعام النادرة ثم اندثرت تحت ركام حمم الموت،

ولم يسأل عنها أحد ولايدري بها أحد غالباً . والمأساة الأكبر هي عوائل الايتام ، حيث فقدت آلاف العوائل رجل البيت وبات النساء والاطفال هائمين على وجوههم يبحثون عن مأوى في الجانب الايسر الذي انتقلوا اليه ، ولم يجدوا سوى هياكل المنازل غير مكتملة البناء وبعض البيوت المهجورة من دون اي خدمات فضلاً عن حالة العدم في موارد الرزق . هذه العوائل معظمها من الاطفال الذين تحولوا في غضون اشهر مشردين يبحثون عن لقمة ومأوى من دون خدمات صحية او اجتماعية .

الجانب الايسر فيه مساحات واسعة من الممكن ان يتم بناء بيوت سريعة متراصفة قليلة الكلفة تستر على ابناء الموصل داخل مدينتهم . أما التطلع الى وعود الحكومة المحلية أو المركزية فهو أمر ينتمي الى عالم الخيال. لا زالوا يتعاملون مع الموصل كأنها مكان مدمر يجري اغاثة الباقين من السكان بمواد غذائية جاهزة وسريعة بالاسبوع أو في الشهر مرة . لا أحد يلتفت الى الحالة النفسية لمجتمع تهشمت تركيبته الداخلية بالقتل والخوف والفقر والمرض والعوز، وبات غير محصن لكوارث اجتماعية يمكن أن تقتلعه من الجذور في أي وقت.

اتحدث هنا، تحديداً عن خمسة آلاف عائلة تعد في تعداد الايتام والارامل يعيشون حالة الفقر المدقع والعدم في كل شيء . هناك جمعيات محلية اغاثية قليلة جدا وضعيفة الامكانات. ولا نعرف شيئا عن أفق اعادة اعمار الموصل، والامل ضعيف في ذلك في المدى المنظور، مادامت الجهات المسؤولة لا تولي الاهتمام الكافي بهذا العدد الهائل من الارامل والاطفال، وهم بلا مأوى أو في ظروف غير انسانية تماماً ، ولا ندرى كيف سيكون الحال، والصيف على نهايته في استقبال شتاء المطر والريح.