ميسون الدخيل

حين نتحدث عن الغرب تختلف وجهات النظر، هنالك من يرى أن الغرب متقدم ونحن متأخرون، ويقفون عند ذلك، وهنالك من يرى أن الغرب متقدم ونحن متخلفون، ولكننا أفضل لأننا مسلمون، وهنالك من يرى أن الغرب منحل، بلا أخلاق ولا مبادئ،

يعيش على ثروات الدول الأخرى، وهنالك من يرى أن الغرب مثقف متحضر، يهتم بالإنسان من ناحية الفكر والجسد والترابط الاجتماعي وحقوق الإنسان، وهنالك من يرى أن الغرب يطبق معاييره على نفسه، ولا يهتم بتطبيقها على الشعوب الأخرى بمعنى الازدواجية في المعايير، وهنالك من يرى شعوبا وحكومات بمعنى الشعوب تناضل من أجل حقوق الغير، وليس بالضرورة أن تجاريها حكوماتها، وتطول قائمة الرؤى المختلفة، ويبقى شيء يربط بين كل هذه الآراء، وهو أنهم متقدمون ونحن متأخرون، وقد يصل البعض إلى صفة «متخلفون»!
السؤال الذي يطرح نفسه هنا؛ ماذا حدث في تاريخنا القريب لنقل خلال آخر قرنين؟ إن سألت أي شخص عادي أيهما أفضل اليوم أم الماضي؟ فسيجيبك الماضي؟ لا تتفاجأ، فهذه هي الصورة التي رسمت له من خلال قصص التاريخ والبطولات والفتوحات، بالطبع من دون ذكر لأي من الصراعات والانتكاسات بسبب التآمر والخيانات والتحالفات، ومن دون ذكر لأنهار الدماء التي سالت ولا الأعداد التي فقدت أو قتلت أو حتى المدن التي دمرت، بالطبع لا يذكر الهندسة المعمارية والفنون الزخرفية وامتداد الأمارات إلى حدود سقف العالم، ونقل المعرفة والعلوم العقلية من كيمياء وفيزياء ورياضيات حتى الفلسفة إلى الغرب، ممتاز الآن، ماذا فعل هذا الغرب بما نقل إليه وماذا فعلنا نحن؟
ماذا فعلنا نحن مع أعمال آبائنا المؤسسين لجميع العلوم القديمة، لم نتقدم بها بل جعلناها مراجع نعود إليها كلما واجهتنا عقبة أو تحدّ ما، لم نبن عليها ولم نطورها، بل تركنا هذه المهمة للغرب الذي أخذ ما عند آبائه وآبائنا وآباء كل من وصلت إليه يداه من نتاج حضارات وتقدم بها، حتى إنه كلما واجهته عقبة وثب من فوقها ليصل إلى المستقبل، أما نحن فنعود إلى الماضي، ونشعل لدى شبابنا «نستولجيا» زمن غير زمننا، ونقول لهم: «الحل هنا»، فلا يستطيعون العودة إليه، ولا يستطيعون التعامل مع حاضرهم، ولا يعرفون كيف يتقدمون طالما أن المعرفة لذلك ليست متاحة لهم ليخوضوا التجربة، وبدلا من بناء حضارات جديدة يحلمون بإعادة مجد حضارات الماضي!
نصدر للغرب المواد الخام والإنتاج الزراعي متى ما وجد، فيأخذه ويحوله إلى تكنولوجيا، ويعيد تصديره إلينا بأسعار مرتفعة! وكل ما نعمل عليه هو دورات وشهادات وتدريب على كيفية تشغيل هذه التكنولوجيا، حتى دورات التنمية البشرية والذاتية نأخذها منهم، ونعيد تدوريها بلغتنا، ونطوعها في الإدارة والتعليم وعلم الاجتماع وعلم النفس وغيرها؛ عش نحل يعمل ليل نهار من ورشات عمل ومؤتمرات وندوات، ثم ماذا؟ نرى أنهم يزدادون ثراء وخبرة وقوة ونحن مكانك سر! لماذا لا ينافس تعليمنا تعليمهم؟ لماذا لا تنافس شركاتنا شركاتهم؟ لماذا لا توجد لدينا صناعات تنافس صناعاتهم؟ لماذا لا تستخدم شركاتنا الاستشارية من قبل شركاتهم الضخمة أو حتى من مؤسساتهم السياسية؟ لأننا ببساطة نأخذ المنتج ونعمل على تدويله، وهم يأخذون الخام ويعملون على تصنيعه سواء كان مواد أو فكرا أو علما! وهنا أريد أن أنوه بأن هذا الفكر والعلم إن كان بعقول شبابنا فيكون ممن وصل إليهم، ويسجل لهم فيستفيدون هم ونحتفل نحن!
لقد عانت دول في الغرب والشرق من الاستعمار والحصار، بل منها ما دمرت مدنها تماما بسبب الحروب، وفي أقل من أربعة إلى خمسة عقود تصدروا العالم في الإنتاج والفكر، وأصبحوا قوة اقتصادية لا يستهان بها، هل هم بلا دين بلا أخلاق بلا مبادئ بلا تاريخ؟! هل هم أذكى أم جيناتهم أقوى؟ هل جل اختراعاتهم واكتشافاتهم من مؤسسات علمية ومؤسسات دولة؟ هل تهربوا من المسؤولية عند دراسة تعثراتهم وفشلهم؟ هل رسموا لشبابهم الماضي بالألوان الزاهية من غزوات وقصص أبوزيد الهلالي وقصائد ومعلقات، أم حفروا لهم طرقات المستقبل؟ 
ما هو أهم ثرواتهم؟ الإنسان؛ عقل وفكر ومجهود وحقوق! لم يضعوا سياجا حول أي علم أو أي مجال، الفكرة عندهم للتأمل والتجريب وعندنا للشك والترهيب! لم يبخلوا في تخصيص نسبة كافية من الناتج القومي للأبحاث والدراسات العلمية، لم يسجنوا هذا المجال داخل مؤسسات التعليم والبحث العلمي، بل تم تشجيع المبادرات الفردية والاحتفاء بكل تقدم سواء كان فكريا أو ثقافيا أو علميا، لم ينتظروا حتى يرتقي العامة إلى العلم والثقافة والفنون، بل أنزلوها إلى العامة! كان ومازال وسيبقى العقل هو هدفهم؛ به أسسوا وبه تقدموا وبه يبنون المستقبل، منتجاتهم تحاصرنا من المهد إلى اللحد، بلادهم تستقبل زوارنا وطلبتنا ومرضانا ومهجرينا، وحين يخرج من بينهم دعاة العنصرية تنتفض المجاميع وتتحرك جميع المؤسسات المجتمعية للتحدي وتواجه ولا تسمح لهذا الفكر بالتقدم، بل يحارب بكل الوسائل المتاحة.
لماذا نحن متخلفون؟ لأننا نظرنا إلى الماضي ولم نتعلم، ونظرنا إلى الحاضر ولم نتحرك، ونظرنا إلى المستقبل ولم نخطط! لماذا نحن متخلفون؟ لأننا عطلنا العقل واعتمدنا على البدائل من الخارج! لماذا نحن متخلفون لأننا اعتبرنا كل تحديث تغريبا! لماذا نحن متخلفون؟ لأننا استوردنا التكنولوجيا وأهملنا الفكر العلمي الذي أنتجها، وبالتالي لا توجد لدينا المعرفة التي تمكننا من التطوير والابتكار أو حتى إعادة الإنتاج! لماذا نحن متخلفون؟ لأننا نكتفي بالاحتقار والازدراء ونقنع أنفسنا بأننا الأفضل! لماذا نحن متخلفون؟ لأننا رمينا المرساة إلى أحضان الماضي ونتوقع أن تبحر السفن ونتقدم!