حسين شبكشي

ليس سرا أن السعودية دولة مؤثرة جدا اقتصاديا على الساحة العالمية، فهي تنتج السلعة الأكثر تأثيرا في العالم الاقتصادي وهي النفط، وهي الدولة الأهم في هذا القطاع وبالتالي يصبح مفهوما جدا أن النفط هو أحد أهم الركائز الأساسية للسياسة الخارجية والقرارات الاقتصادية للسعودية. ولعل أهم الملفات الاقتصادية «التاريخية» التي ستقدم عليها السعودية هو طرح جزء من أسهم شركة أرامكو للاكتتاب العام.

وبعيدا عن الجدل العاطفي الذي انطلق منذ بدء الحديث عن هذه المسألة، فلنر المسألة من وجهة نظر سياسية اقتصادية عملية بحتة. لعل الجدل الأول والأهم كان معنيا بتقييم الشركة، وبالتالي كان الحديث هل يتم احتساب الشركة بشكلها العملي فقط أم يضاف إليها الاحتياطي النفطي في الأرض؟ وخرج على الملأ «رقمان» كان يجري الحديث عنهما، الأول تم تناوله عن طريق أحد المكاتب الاستشارية الكبرى، والذي قال فيه إن قيمة أرامكو هي 400 بليون دولار، بينما كانت الأرقام الرسمية في السعودية تقول إن القيمة المتوقعة للشركة هي 2.5 تريليون دولار مما يعني أن هناك احتسابا للقيمة الخاصة بالاحتياطي النفطي الموجود في باطن الأرض.

ولكن ليس بسر أن سلعة النفط باتت سلعة مضطربة وأسعارها وقيمتها لم تعد خاضعة تماما لمعايير السوق والعرض والطلب خصوصا في ظل عوامل متغيرة ومتطورة سواء على الصعيد العناصر الجيوسياسية أو الطاقة البديلة، وبالتالي السعودية «مطالبة» أن تكون «ضامنا» للحد الأدنى من التكلفة، وفي هذه الحالة احتسب بسعر تكلفة استخراج البرميل الواحد وهو 8.98 دولار أمريكي، وإذا ما تم احتساب الاحتياطي النفطي المعلن للسعودية وهو 256 بليون برميل مما يعني أن قيمة «تغطية» و«ضمان» الاكتتاب بحسب أسلوب التسعير الاختياري Option Pricing يجب أن تكون حول مبلغ الـ200 بليون دولار أمريكي تقريبا. والـ200 بليون دولار أمريكي هو نفس المبلغ الذي صرحت به السعودية بأنها سوف تضخها في استثمارات داخل الولايات المتحدة الأمريكية (وهي متزامنة مع برنامج شراء السندات المعلن في السعودية) فيصل إلى الرقم المعلن عنه من قبل. وهذا الرقم سيوجه إلى استثمارات مع الولايات المتحدة الأمريكية كما أعلن، ولكن في اعتقادي أنه سيوجه وبقوة لدى قطاعات الطاقة وخصوصا قطاع إنتاج الغاز والذي يشهد نموا متزايدا باعتباره طاقة بديلة ونظيفة وغير ضارة للبيئة ولها أبعاد اقتصادية متطورة ولافتة ومهمة، مما يعني أن الاستثمار في الولايات المتحدة وشركاتها في القطاع المتعلق بالغاز والطاقة سيأتي تباعا بفوائد عميقة على الاقتصاد السعودي في فترة قريبة.

وبالتالي وبنظرة تجارية مبسطة يمكن اعتبار الـ200 بليون دولار التي صرحت السعودية بضخها في السوق الأمريكي كاستثمارات بمثابة خطاب حماية لسعر سلعة النفط المخزون في الأرض حتى يتم طرح الأسهم بعيدا عن القلق في البورصة (على ما يبدو أن فرصة بورصة نيويورك هي الأرجح للفوز باكتتاب شركة أرامكو). من المهم جدا قراءة المشهد الكلي لأي مسألة وعدم اجتثاث صورة أو جزء من المشهد لتبني رأي معين. سياسة النفط السعودية تتألق بتعاملها العاقل والسياسي في مسألة شائكة وغير مسبوقة وكبرى مثل طرح أرامكو، ولكنها تمكنت من رؤية المسألة بشكل شمولي دقيق يتحقق منه أكبر قدر ممكن من المكاسب الآنية والمستقبلية، وهذا في حد ذاته مسألة مهمة تستحق لفت النظر إليها.