عبدالله بشارة

في يناير 2018 يبدأ تنفيذ قرار المجلس الأعلى لمجلس التعاون في تطبيق ضريبة القيمة المضافة على استهلاكات المتواجدين من مواطنين وغيرهم، وهو قرار تم اتخاذه بعد دراسات من لجان فنية وتقديرات من خبراء في حسابات المداخيل والمصاريف، بما فيها مسؤوليات هذه الدول داخلياً وخارجياً، دبلوماسياً وأمنياً، وما يأتي به النفط من دخل مع وضع حسابات العنصر الجديد في صناعة النفط، وهو العامل المؤثر في توفير الطاقة المتجددة التي لا تنضب، عكس النفط الذي يقل وفق نسبة الاستهلاك والإنتاج.


هذه الخطوة تحتاج إلى حملة تثقيفية للرأي العام، الذي ما زال مغيباً عن احتمالاتها، بل لا يطيق ذكرها، فلا أحد يريد الضرائب، ولا أحد يسعى إلى تخفيض مدخولاته، لكن الدول ليست بيوتاً للإحسان، وإنما هي إدارة تؤمن الأمن والسلام والمعيشة ومنابعها، فلا تتعامل في البورصة وإنما تأخذ من مواطنيها عبر الضرائب لتبني أوطاناً فيها مدارس وصحة وفيها طرق وفيها مقتضيات الحياة، وتعتمد على إبداعات مواطنيها في تشييد صناعات وخدمات وزراعة وآلات ترفيه.
هذه حياة الدول، فأينما تذهب تسمع الضجر من حجم الضرائب، وصارت في معظمها تضم المواطن وغيرهم من المقيمين، فهناك ثمن للأمن ومصاريف للبناء وتكاليف المدارس ومتطلبات صحة لا يفلت منها أحد.
هذه مرتكزات العلاقات بين الوطن والمواطن، هناك حق له وهناك مسؤوليات عليه، ونأتي إلى ما يجب أن يتم في الكويت، فالمبادرة بالشرح والتثقيف وتبيان العوائد، مع غرس مفهوم أن منابع النفط تتعرض لمضايقات من تكنولوجيا النفط البديل المستخرج من صخور كانت مهملة، غير أن تقلبات واقع النفط ودبلوماسية الأسعار، والشد بين تسييس النفط وتسخيره لأهداف سياسية، عجلت بأصحاب الابتكار إلى التنقيب عن بدائل تخلص العالم المنزعج من مزاج السياسة في دول الإنتاج، يوازي ذلك الخوف من حجم الاستهلاك المتراكم، مما قد يوصل العالم إلى ندرة نفطية، تؤدي إلى اضطراب في الأمن والسلم الجماعي العالمي.
وأول شيء يجب أن يحتاط له وزير المالية الكويتي في حملة الشرح والتفسير، أن يعلم بأن الطلعة الأولى ضده تتصل بإجراءات الهدر المستمر، الذي لن يفلت منه ما لم يدخل القناعة لدى أعضاء البرلمان، الذين لن يتآلفوا مع قرار مجلس التعاون ما لم تظهر الحقائق والأرقام فاعلية وقف الهدر.
يظل هذا الأمر معقداً، فالمجتمع المعتاد على ذراع الدولة، بما فيها تقبلها لتوفير المال من أجل تغطيات سياسية محلية لن يذعن بسهولة، كل ذلك يستدعي إعلان التعبئة القيادية بالعزم على تمرير هذا القرار والانسجام مع إملاءات تقليل المصروفات وزيادة الدخل.
لا تستطيع حكومة الكويت أن تتعامل بالأسلوب الذي اعتدنا عليه بالاسترضائيات التي يريدها أعضاء البرلمان، نحن نتحدث كثيرا عن الاعتزاز بالخصوصية الكويتية التي حملها أبناء الوطن من مختلف المشارب، ونجدها في الرصيد الوطني، الذي خلفه المرحوم عبدالحسين عبدالرضا، الذي تمتع بوافر المواهب سخرها لهذه الخصوصية، وكثفها بغزارة الإنتاج وعمق المحتويات التي قدمها للجماهير في الكويت وخارجها، حتى صار المرحوم عبدالحسين حامل قضايا المواطن الخليجي بكل همومه وتمنياته وبخصائصه، معبراً عنها في تنوع الأدوار، بالفكاهة أحياناً، وبالدراما في أحيان أخرى، لكن دائماً بالإبداع المعمق للشخصية الخليجية.
وإذا كنا نقول ما في مثل الخليج استقراراً ولا أمناً ولا مقاماً، ونحن نعيد ذلك كل يوم، فلا سبيل إلا الارتفاع إلى ما يتوقعه الوطن منا بالتضحية والتفاعل مع نداءاته والإدراك بأن تعريض الخصوصية الخليجية للانخفاض سيقود بلا شك إلى الاضطراب السياسي والاجتماعي.
جاءت إبداعات عبدالحسين عبدالرضا وزملائه في فنون التواصل المسرحي من منابع خليجية، وفرت لهذه المواهب أن تكبر وتعطي ثمارها في مناخ حر لا قيد على التعبير، ولا رادع لحرية الاختيار، فيتجول المرحوم بين درب الزلق وسوق المناخ وباي باي لندن، كل مسرحية لها محتويات مستوحاة من تلك الاستثنائية الخليجية في الاستقرار والتسامح واحتضان الإبداع.
شاهدت حسين عبدالرضا حاملاً إحساسه الإنساني الرقيق على وجهه، وهو يتحدث يوم التحرير عن غياب هذا الإحساس من جنود الاحتلال، حيث تساءل ببراءة عن الثمن الذي دفعه الكويتيون لقاء ثقتهم بالآخرين من الجيران ومن غيرهم.
نحن نقترب من اليوم الذي نثبت فيه أننا جديرون بادعاءاتنا في حمل الخصوصية الخليجية التي نتشدق بها.
رحم الله عبدالحسين عبدالرضا، ترك تراثاً يستعصي على تبدلات الزمن، ورحم الله كلاً من الشهيدين د. وليد العلي والداعية فهد الحسيني، ضحيتي الإرهاب في رحلة عطاء ديني إنساني عظيم.