شملان يوسف العيسى

مطالبات بعض النواب اليوم بمنع الحزبية في الكويت تثير تساؤلات حول الأشخاص والأحزاب والحركات السياسية في الكويت... فالعمل الحزبي ممنوع في الكويت حسب القانون، لكن يمكن للتنظيمات السياسية العمل من خلال مؤسسات المجتمع المدني... 

فجمعية الإصلاح الاجتماعي من المعروف أنها تمثل الإخوان المسلمين أو الحركة الدستورية الإسلامية، والجماعات السلفية تعمل من خلال جمعية التراث الإسلامي، والتنظيمات الشيعية تعمل من خلال الجمعية الثقافية الاجتماعية.

مشكلة أحزاب الكويت وتجمعاتها، رغم تكتلاتها السياسية، أنهم عملياً وفعلياً عملهم قائم على المصالح الشخصية أو الدينية أو الطائفية، ويعود السبب إلى أن الديمقراطية لم تترسخ بعدُ في أذهان الناس... فالأحزاب الموجودة رسخت المفاهيم الحزبية والطائفية بدلاً من المفاهيم الوطنية، فالموجود أحزاب سنية في موازاة أحزاب شيعية.

إن المستفيد الأول من قانون الأحزاب هي التيارات الدينية التي تسعى إلى إقرار هذا القانون بكل قوة، خصوصاً في ظل الدعم الحكومي اللامحدود لها، ومن المعروف أن التيارات الدينية لا تؤمن إطلاقاً بالآخر، ولا برأيه، بل إن بعض المتعصبين من الأحزاب الشيعية أو السنَّة يكفر بعضهم بعضاً... فقط لأنهم يختلفون معهم بالرأي أو بالسياسة... لذلك لا غرابة بمطالبة بعض النواب بوقف عمل الأحزاب المختلفة عنهم بالرأي أو العقيدة.

من أهم إشكاليات العمل الحزبي في الكويت هي أن نسيجها محكوم بروابط طائفية وعائلية وقبلية وعشائرية قبل الروابط الوطنية، لا سيما أن هذه التنظيمات قد مارَسَت نشاطها السياسي تحت سقف التوزيع المذهبي والقبلي، وحاكَت انتماءات تاريخية، واستحضرت ارتباطات عائلية ودينية؛ فالعصبية القديمة المتمثلة بهذه المكونات تشكل العامل الأكثر فعالية في تكوين لُحمة الدولة في المجتمع الكويتي الذي تنطبق عليه صفة المجتمع الأهلي أو الرعوي، وليس المجتمع المدني الذي يميز المجتمعات الديمقراطية في دول العالم المتقدم.

الإشكالية الثانية التي تواجه الأحزاب السياسية في الكويت هي أن هذه الأحزاب والحركات السياسية ضعيفة لعدة اعتبارات، أهمها أن هيمنتها على الشارع وعلى الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية ضعيفة، واستمرارها في ترسيخ العلاقات التقليدية التراثية والطائفية، وإهمالها تنمية العلاقات السياسية القائمة على المواطنة، وإضعاف علاقات الانتماء على أساس اجتماعي أو على أساس وطني. وكذلك أيضا لهيمنة الدولة.

الإشكالية الثالثة هي أنه لا يمكن تصنيف التنظيمات السياسية في المجتمع الكويتي ضمن إطار الأحزاب التي تميز المجتمع المدني في الغرب، فالحزب لا يمكن له أن يكون دينياً أو طائفياً أو عشائرياً أو قبلياً، وإذا كان كذلك فهو ليس بحزب. ذلك أن هذا الفصيل من الأحزاب يرقى إلى ما قبل الدولة الديمقراطية التي ظهرت في الغرب في مرحلة الدولة الاستبدادية.

الإشكالية الرابعة أن هنالك عزوفاً شعبياً عن العمل الحزبي، فهنالك قطاع كبير من المواطنين يرفضون العمل الحزبي، لشعورهم أن الحزب لا يمثل الأمة ومصالحها، بل يمثل المصالح الخاصة بالأعضاء، فالصورة الحزبية العربية المشوهة لا يريد أهل الكويت تقليدها.

لقد استعرضنا إشكالية العمل الحزبي في الكويت... السؤال: هل من مصلحة الكويت اليوم حلّ الأحزاب السياسية الموجودة على الساحة السياسية كما يطالب بعض النواب؟

نرى أن الأحزاب السياسية في الكويت، رغم عدم فعاليتها، فإن حلها أو منعها ليس سليماً... لأن هذه الأحزاب إذا مارست العمل الديمقراطي المفتوح والسلمي ويكون مرتكزها الدستور والقانون ومصلحة الدولة، فوجودها المعلن والمكشوف أفضل ألف مرة من دفعها للعمل السري، وغير المعروف أو المكشوف.

وأخيراً نرى أن الأحزاب الديمقراطية في الغرب نجحت لأنها ثمرة تطور تاريخي واجتماعي طويل مرَّ بالثورة الرأسمالية التي قبلت علاقات الإنتاج ونشوء الفردية الحرة والمسؤولة والاندماج الاجتماعي والوطني على حساب العصبيات الفئوية وقيام سلطة وطنية تستمد شرعيتها من السيادة الشعبية وإقرار حرية التعبير والتنظيم ومفهوم تداول السلطة بالطرق السلمية بين جماعات المصالح المختلفة. الكويت لا تملك الأرضية المناسبة لإشهار الأحزاب، لا سيما أن الديمقراطية في الكويت غير مكتملة.