علي سعد الموسى

سأكتب اليوم خفيفاً، ولكن مخيفاً جداً لمن يؤمنون ثم يدركون حقائق تسارع عالم البحث والعلم والمعرفة. ما قبل البارحة، يعيد إلى أذني أحد ألمع الأطباء السعوديين سؤال الخوف عن مستقبل الجنس البشري. النظرية تقول باختصار إن تقنيات الهندسة الوراثية وعلماء «جينوم» النوع البشري يعملون على تطوير تقنيات بيولوجية قادرة على إنتاج محفزات الدماغ السوبر،

التي تستطيع أن تجعل منه عقلاً قادراً على التفكير وحل المسائل بأضعاف أضعاف قدرة الدماغ البشري الحالي على التصدي لها في الوقت الحاضر، وخلال نصف قرن من الآن سيصبح لدينا «الإنسان الذكي» تماماً وبالتقريب مثلما استطاع علماء الحاسب تطوير الجهاز خلال نصف قرن مضى. بعضهم يرى في هذا الاختراع نواة أكبر مشكلة وحرب لمستقبل البشرية والنوع الإنساني. هذه تقنية ستكون الأغلى والأعلى تكلفة في قدرة بني البشر على شرائحها وامتلاكها، وبالتالي ستكون حكراً على صفوة الصفوة من الأثرياء، أو في يد المجتمعات التي ابتكرت وطورت هذه التقنية. وهنا ستنقسم سلالة البشر الحالية من سلالة واحدة متقاربة في بنية الدماغ إلى سلالتين: ذكية وأخرى، فلنقل اعتيادية كما هي الآن. سيكون الفارق في بنية الدماغ وبالتالي آليات التفكير ما بين النوعين شبيهاً بالفارق الحالي ما بين الإنسان وبين أذكى الحيوانات التي تستطيع إلى حد ما محاكاته وفهمه والتعايش معه في عالم اليوم.
الخلاصة أن معركة الإنسان مع العلم أدهى وأمر من حربه بالسلاح والبندقية. ولمن لا زال يظن أن النوع البشري لم يبدأ رحلة الانقسام إلى نوعين متضادين فسأورد له بعض حقائق إرهاصات وبدء انقسام الخلية الإنسانية: موقع منظمة الصحة العالمية ينشر خريطة العالم وقد قسمها إلى مجرد لونين، «أحمر» الفيروسات والأمراض المستوطنة، يحتل أكثر من ثلثي هذه الخريطة مقابل الثلث النظيف الأخضر. المنظمة تعترف بأن نصف سكان العالم لا يستطيعون شراء المرحلة «B» من الأدوية، فلا حيلة لهم بشيء غير مسكنات «الباراسايتمول». 
لجنة هارفارد للتعليم، وهي أرقى وأهم لجنة عالمية في هذا المجال، تقول إن ما يقرب من 80% من طلاب المدارس على وجه الأرض لا يتلقون من «أي شيء» في التعليم لعام واحد سوى أقل من 10% من نوعية التعليم الذي تتلقاه النسبة الباقية. اللجنة تقول إن مجمل الإنتاج البحثي النوعي الذي يستطيع الارتباط بسوق الإنتاج يخرج من سبع دول فقط، وتحتكر منه ما يقرب من 95% من مجمل هذه الأبحاث.
أختم: لا تظنوا أبداً أن وتيرة العلم المتسارعة بشكل مخيف قد تقف عند حد، هي لن تقف حتى بعد وصولها إلى فرز وقسمة النوع البشري إلى عالمين وسلالتين، الكارثة أن الغالبية الساحقة من البشر لم يعد بإمكانهم أن يكونوا شركاء في البحث والتقنية، فالفارق العقلي أصبح شاسعاً واسعاً حتى ونحن لازلنا في مرحلة النوع الواحد.