مصطفى الصراف

الدولة قائمة ضعفًا وقوة بقدر ما هي قادرة على تطبيق وتنفيذ القانون، فالسلطة التشريعية تشرع القانون الذي يعبر عن إرادة الشعب وفلسفته وينظم علاقات الأفراد في المجتمع ومؤسساته، وعلاقات الأفراد في ما بينهم،

وإذا كانت السلطة القضائية قادرة على تطبيق القانون بنزاهة كما هو مطلوب منها فإن ذلك دلالة على سلامة المجتمع، وإذا كانت السلطة التنفيذية قادرة على تنفيذ القانون فهذا دليل على قوة الدولة ونظام الحكم فيها. أما إذا بدأت السلطة التشريعية في إصدار قوانين ذات طابع فئوي أو عدواني أو تضييقًا للحريات أو ماسًا بحرية الرأي أو حرية العقيدة بصورة خاصة، فإن هذا دليل على تخلف هذه الدولة ومن ثم ضعف قضائها وسلطتها التنفيذية، لأن أفراد هذه السلطات هم أبناء هذا المجتمع المتخلّف ونتاجه. ما لم يتحرّكوا للتصدي لذلك التخلّف والنهوض بالمجتمع.
لقد أفرزت انتخابات السنوات الأخيرة بعض النواب، أغلب تصرفاتهم تدل على تخلّفهم وقد وصلوا إلى السلطة التشريعية، واستطاعوا إصدار قوانين سيئة مثل قانون عدم تجنيس المسيحيين وقوانين الاختلاط وعدم عمل المرأة ليلاً.. إلى آخره، مما يعني أن مجتمع الدولة قد تخلف عما كان عليه، وأن مؤسسات الدولة قد بلغها هذا التخلف وأصيبت بالضعف وعدم القدرة على تطبيق وتنفيذ القانون بما يحقق العدل والإنصاف بين أفراد المجتمع.
لقد نصَّت المادة 111 من قانون الجزاء الكويتي الذي صدر مع استقلال الكويت وقيام الدولة الدستورية في بداية الستينات وجاء فيها: «كل من أذاع، بإحدى الطرق العلنية المبينة في المادة 101، آراء تتضمن سخرية أو تحقيرًا أو تصغيرًا لدين أو مذهب ديني، سواء أكان ذلك بالطعن في عقائده أم في شعائره أم في طقوسه أم في تعاليمه، يعاقب بالحبس مدة لا تجاوز سنة واحدة وبغرامة لا تجاوز ألف روبية أو بإحدى هاتين العقوبتين». وبكل أسف فإن مخالفة هذه المادة تتكرر يوميًا منذ بضع سنوات، وخاصة بعد بروز التيار السلفي، ولم تحرّك أي من مؤسسات الدولة ساكنًا لمواجهة مخالفي هذه المادة، على الرغم من أن مخالفتها قد تسبّب وما زالت تسبّب بثَّ الفرقة بين أفراد المجتمع وتشيع روح البغضاء والضغينة فيه. وتستغل مخالفي هذه المادة، باسم الغيرة على المذهب – خلافًا لما يأمر به كتاب الله وسنة نبيه – وهذا يعني أن من يخالف هذه المادة يخالف شرع الله ولا يمكن أن يكون حريصًا على الدين الإسلامي، وما يرفعه من شعارات إسلامية ما هو إلا تكسبٌ من وراء إظهار هذه الغيرة لكسب الأنصار الذين يجهلون قواعد الدين الحنيف، وتسيّرهم العصبية الجاهلية.
إن وحدة المجتمع تقتضي من الدولة استنفار مؤسساتها لإظهار قوتها، وذلك بتطبيق وتنفيذ نصوص القانون على الخارجين عليه، وإلا فإن عدم التصدي لذلك سيؤدي إلى عواقب وخيمة وإلى مزيد من المخالفات القانونية استضعافًا للدولة ومزيدًا من التداعي في مؤسساتها.
ومن يرتكب ذلك الاعتداء لا يكن بريئاً من سوء القصد. فهو إما ملحد جاهل وإما عميل مغرض مأجور وإما معطوب العقل موبوء الضمير الوطني يجب عزله عن المجتمع حتى لا ينشر الوباء، لا سيما إذا كان في موقع يمكنه من ذلك.