علي نون

ليس مفاجئاً ما قاله الأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصرالله في خطابه الأخير. بل المفاجئ هو لو قال عكسه. أو لو أظهر سياسات ومواقف مختلفة عمّا سبق.

ومع ذلك، هناك سياق لا يزال يفاجئ الكثيرين، يعتمده الأمين العام في كلّ مرّة يخرج على الملأ. ولا يتردّد في تظهيره بأوضح ما يمكن، وعلى طريقته الحاسمة والقاطعة والآخذة كل «الحق» في جيبها من دون ترك أي هامش لـ«الأغيار»! وهؤلاء في مستوى واحد أو هكذا يُظهر شكل «الخطاب» وفحواه، أيّاً تكن القضية المعروضة. يستوي عنده في ذلك، كل من هو في الجانب الآخر من نهر الأحزان! بغضّ النظر عن هويته الكيانية!

هذه «الأنا» الطافحة لم تجد مرة واحدة، سوريّاً واحداً معارضاً لرئيس سوريا السابق بشار الأسد، يمكن أخذه (مثلاً) خارج لائحة «الإرهابيين» و«التكفيريين». بل الجميع في عُرفه سواء طالما أنّهم هناك، في الجهة المقابلة والمضادّة! والعكس صحيح. بحيث أنها يمكن أن ترى بوضوح ليزري، كل من يقترب منها ومن مواقفها، حتى لو كان هذا مرتكباً موازياً لألف ألف «إرهابي» و«تكفيري»!

ما يفاجئ (دائماً) هو أنّ اللبنانيين الآخرين، المختلفين في السياسة والمذهب والطائفة، ليسوا سوى واحد من إثنين أو الإثنين معاً: أخصام أو أعداء. والخطاب الموجّه صوبهم يجب أن يكون على مستوى هذا التشخيص وليس تحته! وهذا يعني إعدام أي احتمال لأن يكون عندهم «بعض الحق»! أو «أي حقّ»! أو لأن يؤخذ في الحسبان أي أمر يخصّهم، في السياسة والأهواء والمصالح والمصائر! أو أن يُراعى خاطرهم بالمعنَيَين القيمي والعاطفي!

لا يرى سيادة الأمين العام، في موضوع الأسد شخصياً وتحديداً، أي سبب يدعوه الى التروّي في الأحكام، أو اعتماد شيء من الخفر في الكلام عنه. ولا يعترف بضحاياه! ولا يلاحظ «مشاعرهم»! ولا يحسب حساباً للكوارث اللاحقة بهم، قتلاً واغتيالاً وهتكاً وحرقاً ونسفاً وتعذيباً وتهجيراً ورزايا سوداء.. بل هناك دائماً، حدّة في القول وقطعاً في التشخيص، وصلافة في اللغة تحيل المتلقّي الى مصدوم يطرح أسئلة مستحيلة من بينها، أنّ ربّ العزّة والجلال ذاته «جادل» الشيطان! و«سأله».. ثم توعّده! فكيف يمكن لأيّ مخلوق أن يُظهر ويكثّف كل ذلك الاحتكار للحقّ؟ وكل ذلك النفي للغير؟! وكل ذلك التماهي مع ذاته وكأنّ لا أحد سواه؟! ولا أحد يستحق أن «يكون» صنواً في أي شيء! أو أن يكون ضحيّة استبداد أو عسف أو ظلم أو اضطهاد!

ليس في سرديّة الخطاب ما يوحي بغير ذلك، حتى لو لم يقصد صاحب الخطاب كل ذلك الغلوّ! وحتى لو يُظهر كلّ ذلك الاستعلاء! وهو أظهرهما! والمعضلة في اللغة كما في مضمونها. وهذه جذرية «متألّهة»! وصاحبها يرى أن موقفه هو الصحّ، وسعيه يجب أن يتم، ومبتغاه يجب أن يُنفّذ.. والنقطة في آخر السطر كافية (في عُرفه) لطمس الأثمان في الدم والعمران والقيم الفاصلة بين الحق والجور والعدل والاستبداد، والعبودية والحرية، والخير والشر!

صاحب «زمن الانتصارات» و«العزّة والكرامة» لا يضيره أن موقفه (التهويلي والكيدي في كل حال) الاستدعائي للأسد، وتربيع الثلاثية الأثيرة، يطعن بكرامة كل لبناني «آخر»! ويسفّه منطق الدولة ومؤسساتها ورموزها وسيادتها! ويشوّش على إنجازات الجيش وقدراته وحِرَفيّته. ويتقصّد إلحاق الأذى مجدداً بعلاقات لبنان الخارجية مع القريب والبعيد! لا يضيره ذلك وما هو أكثر منه، طالما أن «الأنا» (الحزبية والسياسية والانتمائية) قضت به وبغيره!