بعض الأوساط اعتقدت أنها وجدت فرصتها في تبخيس جهود المغرب عبر الإيحاء بأن مجرد ورود أسماء مغاربة، أو من أصل مغربي، مرتبطين بعمليات إرهابية، كـاف للتنكر لمكتسبات هـذه التجربة.

حسن السوسي

“المغرب يصدر جهادييه”. هذا هو عنوان مقالة للكاتب الفرنسي الإيراني فرهاد خسرو خاور الذي نشر في صحيفة لوموند الفرنسية الأربعاء الماضي.

العنوان على افتراض اختياره ليجلب القرّاء، إلا أن له مضاعفات ونتائج لا علاقة لها بالواقع، على أساسيْن: أولهما أن المغرب بلد يحارب الإرهاب دون هوادة. وعندما يتم الحديث عن محاربة الإرهاب، فهذا ليس وهما، وإنما هو حقيقة.

ويكفي العودة إلى بلاغات وزارة الداخلية المغربية التي تواكب مختلف أنشطة الأجهزة الأمنية المختصة في الموضوع للتأكد من أن المغرب قد استطاع تفكيك عشرات الخلايا الإرهابية في معركته الاستباقية المتواصلة على الإرهاب.

وبالتالي فليس صحيحا اعتماد مثل هذا العنوان الذي يوحي بأن المغرب ليس مقصرا في هذا المجال فحسب، وإنما هو متواطئ، بهذا الشكل أو ذاك، حتى أعيد كتابة زعم أنه “يصدر جهادييه” حسب ما ورد في تعبير الكاتب.

فهذا ما تكذبه الوقائع وخاصة في مجال التنسيق مع الأجهزة الأمنية الإقليمية والدولية لتضييق الخناق، ما أمكن على الإرهاب، وتفكيك خلاياه قبل الدخول في مرحلة التنفيذ كما أن أعداد المعتقلين في السجون المغربية من الإرهابيين، أو مشاريع الإرهابيين، كافية لقطع الشك باليقين على هذا المستوى.

أما الأساس الثاني، فهو الإيحاء بأن المغاربة في مقدمة من ينخرطون في العمليات الإرهابية في مختلف أنحاء العالم، لمجرد ورود أسماء أشخاص مغاربة، أو بالأحرى من أصـل مغربي، يشتبه في تورطهم في عمليات إرهابية في عدد من البلدان الأوروبية خلال أسبوع واحد أو أشهر معدودة. وهذا غير صحيح بل ينافي أبسط متطلبات الموضوعية في التعامل مع هذا الواقع.

فما هو موقع الإرهابيين الذين ينتمون إلى بلدان أخرى، في درجات سلم الإرهاب؟ هل يمكن بهذه الطريقة شطب كل ما يجري في سوريا والعراق وأفغانستان وليبيا وباكستان من ممارسات وأعمال إرهابية منظمة، منذ أكثر من عقدين من الزمن، في البعض منها للتركيز فقط على ما تقوم به عناصر إرهابية مغربية أو من أصل مغربي وتقديمها كما لو أنها على رأس عتاة الإرهاب الدولي؟

هذا ليس ممكنا بطبيعة الحال، لأنه مخالف لأبسط معطيات الواقع وتحليل اتجاهات الإرهاب الدولي. لكن لماذا لا يتم التعامل مع ما يجري هناك باعتباره إرهابا لأنه يقتل الأبرياء ويدمر البنيات التحتية للمجتمعات المبتلية به، إضافة إلى تدميره البطيء للوحدة الوطنية والسلام الأهلي فيها؟

صحيح أن هناك اتجاها عاما قد برز للحديث عن إرهاب تنظيم داعش وجبهة النصرة التي لا تكف تتلون بألوان عديدة وتستعير لنفسها أسماء متعددة، علها تخرج من دائرة الاستهداف من قبل الدول التي تعتبرها منظمة إرهابية، لكن هذا لا يستوعب الإرهاب الممارس في تلك البلدان، والذي تشرف عليه ماليا ولوجستيا وسياسيا دول حاولت تهريب بعض ذلك الإرهاب لإقحامه ضمن دوائر المعارضة، وهو لا يملك منها إلا الاسم على اعتبار أن منهجية تفكيره وأساليب اشتغاله لا تختلف في شيء عن أساليب داعش والنصرة أو هيئة تحرير الشام أو ما شابه.

إنها محاولات لصرف النظر عن بؤر الإرهاب الحقيقية والإيحاء بان المغرب هو مصدر أو خزان الإرهاب الدولي، مع العلم أن تلك الدول تدرك تماما أن هذا مناف للحقيقة.

وفي كل الأحوال، فإن تورط أشخاص في مؤامرات أو أعمال إرهابية هنا وهناك، لا يلزم المغرب في شيء، لأن الخلايا التي أعلن عن تفكيكها خلال السنوات الأخيرة تتجاوز بما لا يقاس أعداد من انخرطوا في الأعمال الإرهابية الذين يتم الحديث عنهم. وهذا ليس للتقليل من مخاطر انتشار وتصاعد وتيرة انخراط الشباب المغاربة أو من أصل مغربي، على وجه الدقة، في العمليات الإرهابية، وإنما لضرورة القيام بنقطة نظام جوهرية في مجال التمييز بين تصدير الإرهاب، بعد تدريبه وتسليحه، وهذا لم يشر إليه الكاتب ولو من بعيد، وبين قدرة بعض الأشخاص على الإفلات من قبضة الأمن هنا أو هناك، والذي هو أمر عادي، على اعتبار أن المتطرفين والإرهابيين ليسوا على نمط واحد ولا يستخدمون وسائل متشابهة، وليس بإمكان أيّ دولة في العالم- بما في ذلك الدول العظمى- القضاء المبرم على هذه الظاهرة اعتمادا على الوسائل الأمنية وحدها، خاصة إذا لم يكن هناك تنسيق يومي وقوي بين كل الأجهزة المنخرطة في هذه المعارك المتنوعة مع التطرف والإرهاب.

وانه من المثير حقا في مقالة السوسيولوجي الفرنسي الشهير محاولة إقحام عنصر لا علاقة له بالواقع الفعلي في تحليله، عندما تحدث عن كون “المغاربة المنخرطين في الأعمال الإرهابية ينحدرون من المناطق الأمازيغية المقموعة من النظام المغربي” فهل هذه كلمة السر في المقال أي أن الرسالة التي يتضمنها هي هذه بالذات؟

سؤال يستحق أن يُطرح لأن الكاتب تفـادى كل حديث عن دور الأنظمة السياسية القائمة في البلدان التي ينحدر منها من أسماهم بالتائهين أو الحائرين، على عكس ما يراه بالنسبة للتنظيم المحكم بالنسبة للمنحدرين من المغرب. إن هذا يدفع إلى الاعتقاد بأن هذا النوع من التحليل هو محاولة واضحة للنيل من سياسات المغرب في مواجهة الإرهاب بعد أن عاينت بعض الأوساط الإقليمية والدولية كيف أن المغرب من بين البلدان الأكثر صرامة في هذا المجال، وأن مقاربة المغرب المتعددة الأبعاد، الاجتماعية والثقافية والأمنية، قد سجلت نجاحات نوعية دعت العديد من الدول بما في ذلك الدول الأوروبية إلى إعطاء الأهمية القصوى للتجربة المغربية في مكافحة الإرهاب والاستفادة منها.

ويبدو أن بعض الأوساط اعتقدت أنها وجدت فرصتها الذهبية في تبخيس جهود المغرب عبر الإيحاء بأن مجرد ورود أسماء مغاربة، أو من أصل مغربي، مرتبطين بعمليات إرهابية وبوتيرة ملفتة خلال الأيام الأخيرة، كـاف للتنكر لمكتسبات هـذه التجربة وتوجيه الأنظار إلى المغرب ليس لكونه قد قدّم نموذجا ناجحا في محاربة الإرهاب، كما هو مفترض، وإنما على أساس زعم العكس تماما، مما دلت عليه وقائع هذه المعركة الدائرة بينه وبين التيارات المتطرفة والإرهابية التي نالت تقدير دول ومراكز بحث كثيرة من ذوي الاختصاص.