غياث الحاج

مجموعات تشكّلت حول المالكي، تألّفت من أفراد عديمي التجربة السياسية، وفاقدي المهارات القيادية والتنظيمية، فضلا عن إنّ قسما منهم ذو خلفيات بعثية، حيث تمكنت هذه المجموعات من تشكيل حلقة مُحْكمة حول المالكي، تسيّر قراراته وتجعله مقتنعا بما لديها من وجهات نظر، تجاه الأشخاص، والأحداث، على حد سواء.

وأبرز هذه المجموعات هي “مجموعة الابن احمد” التي تشكلّت بعد مرور عدة سنوات من رئاسة المالكي للحكومة، و”مجموعة أتباع المالكي”. فبعد سيطرة “مجموعة الابن أحمد”، على مكتب رئاسة الوزراء، والتمدد نحو مفاصل الدولة، بدأ التفكير ينصب على سحق وضرب كل المنافسين للمالكي، سواء كانوا داخل الحزب، أو من ائتلافه أو منافسيه السياسيين، واشتركت “مجموعة أتباع المالكي” كذلك في نفس الهدف، فقد كانت المجموعتان تهدفان الى إضعاف وكسر شوكة جميع منافسي المالكي الآخرين.

 عوامل ثلاثة صنعت سياسات المالكي في ولايته الثانية، أنتجت أخطاءً أنهت حلم الولاية الثالثة، فقد أدى الاعتماد على “الابن أحمد” وعلى الموالين من المجموعات الآنفة الذكر، يصاحبها غياب كوابح حزب الدعوة الإسلامية التي تتصدى لطموحات المالكي الشخصية، الى وقوع رئيس الوزراء في ذلك الوقت، في أخطاء قاتلة، عجّلت من نهاية حلم الولاية الثالثة، وأدخلته في نفق مظلم، صعُب الخروج منه.

الأخطاء الكبرى:

ـ معارضة المالكي لموقف المرجعية.

ـ الموقف العدائي تجاه وزير المالية في حكومة المالكي، والسياسي السنّي، رافع العيساوي.

ـ تهميش الشركاء.

أسباب النكسة

في هذه الحلقة، تفصيل للنتائج الكارثية لتلك الأخطاء التي أدت في النهاية الى سقوط الموصل بيد داعش في حزيران العام 2014.

لقد سقطت الموصل واحتل تنظيم داعش ثلث الأراضي العراقية، الأمر الذي أحدث متغيّرات سياسية خطيرة في داخل البلاد، وفي الشرق الأوسط، والعالم.

لقد ساهمت عوامل عديدة في هذه النكسة السياسية والعسكرية المروعة، وكان من أسبابها، تحالف قوى التخلف والشر مع بعضها، للنيل من التجربة العراقية، أما وضْع كامل المسؤولية على عاتق رئيس الوزراء في ذلك الوقت، نوري المالكي، فليس من الانصاف في شيء، بل ان من العدل والقراءة المنصفة للتأريخ، النظر الى كل الأسباب والعوامل التي أدت الى انهيار الجيش العراقي، وسقوط مدن عديدة على أيدي التنظيم الإرهابي.

لكن من المفيد تذكير القارئ والمتابع بان هذه الحلقات تركّز على “أسباب السقوط والفشل ” المتعلقة بنوري المالكي وإدارته للحكومة، من 2006 الى 2014، والتي أدت في النهاية الى النكسة التاريخية التي ارتبطت به بشكل خاص.

عوامل النكسة المرتبطة بالأوضاع المحلية والإقليمية والولايات المتحدة

العامل الأول: الربيع العربي وأحداث سورية، حيث شهدت المنطقة العربية حركات احتجاجية ضخمة انطلقت في بعض البلدان خلال أواخر عام 2010 ومطلع 2011، متأثرة بالهيجان الشعبي في تونس الذي اندلع جراء إحراق محمد البوعزيزي نفسه ونجح في الإطاحة بالرئيس السابق زين العابدين بن علي.

العامل الثاني: تصاعد الشحن الطائفي في العراق خصوصا بعد الاعتصامات في 2013 التي نشطت في المناطق ذات الأغلبية السنية من العراق، مثل الرمادي وصلاح الدين والموصل وكركوك، وتبعتها مناطق متفرقة من بغداد مثل الأعظمية والدورة وكذلك في ديالى، ولعب فيها ساسة ورجال دين سنّة، دورا تحريضيا أجّج الشارع السني ضد الحكومة، رُفعت خلالها شعار “قادمون يا بغداد”، الذي كان من ابرز الشعارات المركزية والطائفية لمخيمات الاعتصام.

العامل الثالث: الدور القطري والتركي السلبي

غذّت كل من قطر وتركيا الاعتصامات في المناطق الغربية من البلاد، بالمال والدعمين المادي والمعنوي، فضلا عن الإعلامي. كما دعمت، القوى السنية المسلحة، مثل “الجيش الإسلامي” و”كتائب ثورة العشرين” و”جيش محمد” وغيرها، حيث عملت هذه المجاميع العنفية على استغلال التظاهرات، لاحتلال المناطق السنية، وإخراجها عن سلطة الدولة.

العامل الرابع: المقاطعة بين الحكومة المحلية في الموصل ورئيس الوزراء

مثّل آل النجيفي، النفوذ التركي وأجندته في الساحة السنية، وتعزّز دورهم السلبي بعد تبني الاستراتيجية التركية مفهوم التدخل المباشر في الدول المجاورة، بديلا لسياسة “تصفير الأزمات” مع الدول المجاورة، حيث اعتقد آل النجيفي انهم مسنودون من تركيا، ما ساهم في تصعيد الخلافات مع الحكومة المركزية في بغداد، وقد انعكس ذلك على الإدارة الأمنية في نينوى، بعد ظهور تقاطعات حادة بين القادة الأمنيين، وبين الحكومة المحلية التي كان يترأسها اثيل النجيفي.

لقد خلقت أزمة العلاقة بين القادة العسكريين، وإدارة المحافظة المحلية، ثغرات أمنية، استثمرها تنظيم داعش في اجتياح المدينة في 10 حزيران/ يونيو 2014.

العامل الخامس: تفاقم الأزمة بين رئيس الوزراء ورئاسة إقليم كردستان، بعد مشروع سحب الثقة الذي قاده زعيم التيار الصدري، مقتدى الصدر، الامر الذي أدى الى “قطع” التواصل الأمني والمخابراتي بين الحكومة الاتحادية وبين الإقليم.

العامل السادس: تهميش الإدارة الأمريكية للعراق.

اتّجهت إدارة الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما، نحو “سياسة تهميش” العراق من أولوياتها في المنطقة بل وإخراجه منها تماما، الى الحد الذي ابلغ فيه ممثل الرئيس الامريكي في العراق، المسؤولين العراقيين بعد سقوط الفلوجة بيد داعش في 2014 بأن واشنطن سوف “لن” تساعد العراق في تحرير أية مدينة تسقط بيد داعش.

لقد ساهمت العوامل الآنفة الذكر، في تهيئة الأرضية المناسبة، والظروف الملائمة لاحتلال داعش للموصل وباقي المناطق السنية.

عوامل الهزيمة المرتبطة “مباشرة” بالمالكي.. ومكتب القائد العام

بيْد أن هذه الحلقات تركّز على الكشف عن دور المالكي وفريق إدارته المتمثلة بالمجاميع من حوله، “مجموعة الابن احمد”، و”مجموعة أتباع المالكي”، في سقوط الموصل، ذلك الزلزال المدمر الذي ترك جرحا عميقا في الذات الوطنية.

وكان أبرز عوامل الفشل والسقوط، الإدارة الفاشلة في مكتب القائد العام للقوات المسلحة

يعتبر مكتب القائد العام، حلقة الوصل بين المنظومة العسكرية، وبين القائد العام للقوات المسلحة؛ فمن خلاله كان رئيس الوزراء يدير كل المنظومة العسكرية، وكانت لديه صلاحيات واسعة في مراقبة ومحاسبة القادة العسكريين، وهو المسؤول عن إيصال أي مؤشر أمني خطير الى القائد العام، ولذلك فان أي خلل فيه سيؤدي الى عواقب وخيمة، وهو ما حدث، اذ تسبب التقصير وعدم الكفاءة في إدارة المكتب الى هزيمة الجيش في الموصل.

ويمكن تلخيص أسباب الخلل في مكتب القائد العام، كما يلي:

السبب الأول: تحوّل مكتب القائد العام الى حلقة من حلقات استنزاف الميزانية، فقد كان يضم مئات القادة العسكريين والآلاف الجنود والحمايات مع صلاحيات واسعة دون أداء مهني وتأثير إيجابي ملموس على إدارة الجيش.

السبب الثاني: ضعف الفريق فاروق الأعرجي أمام “مجموعة الابن احمد”، ما سبّب في تحوله الى “موظف صغير” بأمرة الابن احمد، الى الحد الذي صعب فيه تمرير المعلومات الحقيقية والصحيحة الى القائد العام للقوات المسلحة نوري المالكي، الا عبر نافذة الابن أحمد.

السبب الثالث: فساد فاروق الأعرجي وأركان مكتب القائد العام.

كان الأعرجي وفريقه يبيعون المناصب العسكرية الى القادة مقابل عمولات، وبلغ فسادهم الى الحد الذي كانوا يتلقون أموالا مقابل السكوت على سرقة القادة العسكريين للوقود ورواتب و”تغذية” الجنود.

السبب الرابع: تزويد الأعرجي، المالكي بالمعلومات المضللة، الفاقدة للمصداقية عن القادة العسكريين، حمايةً لهم مقابل المال، او خوفا من سطوة الابن احمد.