العنصرية في خدمة التنظيمات الإسلاموية: الضربة السعودية القاضية

قينان الغامدي 

مازلت أحاول ربط السياقات ببعضها، ليقف القارئ معي على الأرضية التي ولدت لنا مختلف أشكال العنصرية من أجل تسخيرها لخدمة أجندات سياسية ضد وطننا قيادة وحكومة وشعبا

نجح التنظيم السروري في عزل المرأة تماما، لدرجة أن هذا العزل وصل كل بيت، وهذا لا شك عنصرية لا يقرها دين ولا عقل ولا عرف ولا حقوق إنسان، لكن هدف التنظيم لم يكن العزل لمجرد حمايتها، بل كان من أجل الهيمنة عليها، وقد حدث، فالجناح النسائي للتنظيم استولى عليهن من خلال المحاضرات والندوات، ومن خلال تزويدهن بالأشرطة والكتيبات، وحثهن على تربية أبنائهن على الجهاد ومفهوم الانتماء للأمة، وتقبيح الوطن والوطنية، بل وتجريم من يقدمها على الأمة، وتعليم النساء كيف ينكرن على أزواجهن وإجبارهم على الانصياع لتعاليم الدين وفق مفاهيم التنظيم، وقد حدث كل ذلك وأكثر منه، حتى تحولت معظم البيوت إلى مآتم، فلا موسيقى ولا ضحك ولا تنكيت، ولا حياة، وصارت الأسر لا تشاهد على الشاشة إلا وعظ رموز الصحوة ومحاضراتهم، بل إن كثيرا من الأسر اكتفت بمتابعة القنوات الدينية المعروفة التي كانت تكرس الطائفية والكراهية والتفسيق والتبديع والتكفير، والنهي عن المنكر باليد، وهكذا تفشت الطائفية، والمذهبية، لدرجة أن رموز التنظيم أخرجوا معظم المسلمين في الأرض من الملة، ولم يبق إلا هم وأتباعهم المخدوعون بهم باعتبارهم الفرقة الناجية، ومن هنا انطلقت التصنيفات الطائفية داخل المذهب السني نفسه، وتكرست مشاعر الكراهية للآخر، سواء المختلف في الدين أو المذهب، أو الاعتقاد، بل وإلى غير من لا يتزيا شكليا بغير زيهم من أبناء وبنات الوطن باعتبارهم غير إسلاميين!!. 
وهذا الأسلوب ذاته هو الذي اتبعه تنظيم الإخوان المسلمين في مصر، وما زال مستمرا فيه حتى اليوم، لكن تنظيم الإخوان سبق كل التنظيمات إلى ممارسة الدموية عن طريق اغتيال كل مخالف له أو ناقد، وهو ما فعله التنظيم السروري في المملكة، حين خرج من تحت ردائه تنظيم السلفية الجهادية الذي كفر الحكومة والعلماء، وانطلق يمارس عملياته الإرهابية في الداخل قبل أن يتمدد خارجيا وتتخطفه المخابرات العالمية، فيخرج بنفس الفكر تنظيم القاعدة ثم داعش والقصة معروفة، الذي يهمني أن الفكر الذي كرسه التنظيم السروري عبر صحوته المزعومة بقي متغلغلا داخل الوطن وبين المواطنين، وعلى الرغم من كل الجهود المبذولة لمكافحته، إلا أنه ما زال متغلغلا حتى اليوم، ذلك لأن أتباع التنظيم متغلغلون في كل مفاصل الدولة، وهم يمارسون أنواعا من الفساد المالي والإداري، تحت مظلة حماية بعضهم بعضا، بل إنهم يقاومون ببسالة أي محاولة تقوم بها الدولة للتطوير والتحديث، وساعدهم في ذلك أن مقاومتهم تجد صدى ممتازا في معظم الأوساط الشعبية، الأمر الذي أحال كثيرا من قرارات الحكومية إلى حبر على ورق، ومن أبرز تلك القرارات قرار توظيف النساء في الأسواق الذي لم ينفذ إلا بعد تردد حكومي وجهد مضاعف!! وكلنا نعرف مواقفهم من الابتعاث وجامعة كاوست، وغيرها الكثير!!. 
في مقابل جهود تنظيمي الإخوان والسرورية، كان تنظيم الولي الفقيه يعمل على تصدير ثورته تحت شعار طائفي، ونجح في زرع ما يسمى حزب الله في لبنان وما يسمى أنصار الله (الحوثيون) في اليمن، واستخدم قوته الناعمة وأموال دولة إيران ليتمدد في كل مكان، ويكرس الكراهية والتكفير لكل من لا ينتمي لمذهبه الاثني عشري، وذلك النفي يشمل بقية الشيعة في المنطقة الذين لا يؤمنون بخرافة الولي الفقيه، ولذلك سعى التنظيم إلى زرع خلايا داخل المكونات الشيعية في المنطقة تؤمن به وتجيّش الشباب للإخلال بالأمن، كما رأينا في العوامية وقبلها في البحرين كمثال، ولأن هدف التنظيمات الثلاثة سياسي محض، وهو تدمير البلدان والهيمنة عليها، فقد انطلق كل تنظيم يجيش أتباعه ضد التنظيم الآخر، في خطة تكتيكية هدفها صرف نظر الحكومات عما يفعله كل تنظيم من تجييش وتجنيد وتسليح في الداخل والخارج، والتخويف من خطر التنظيمين الآخرين، ومن ثم المطالبة بدعم تنظيمهم، ودعم كل من يدعون لدعمه في الخارج، فرأينا التنظيم السروري كيف أقام الندوات والمحاضرات والبرامج لتجريم تنظيمي الإخوان المسلمين وتنظيم الولي الفقيه، بل وتجريم كل الشيعة وتكفير التنظيمين وكل من ينتمي أو يتعاطف معهما، وحث الدولة على دعم فروع التنظيم السروري في كل مكان بلغته صحوتهم، وهي وصلت إلى كل أصقاع الأرض!!. 
إن اختلاف التنظيمات الثلاثة مفتعل، ذلك لأنها متفقة في الهدف السياسي على الأقل حتى وإن اختلفت ظاهريا في الشعارات التي ترفعها، فآليات تضليل وتكثير الأتباع وغسل أدمغتهم تكاد تكون متشابهة شكلا وإن اختلف المحتوى، ولأن الهدف السياسي واحد، فإن احتلال تنظيم الولي الفقيه دولة إيران، عزز طموحات تنظيم الإخوان في الاستيلاء على مصر، وعزز آمال التنظيم السروري في حكم بلاد الحرمين!!
وفي عام 1996 وصل التنظيم الرابع (تنظيم الحمدين) إلى سدة الحكم في قطر، ولأن أوهامه وطموحاته منسجمة مع هدف التنظيمات الثلاثة في السيطرة والتمدد، مد يده ومليارات دولة قطر لدعم التنظيمات الثلاثة، والثلاثة وجدوا ضالتهم المالية في تنظيم الحمدين، فتحولت الدوحة إلى مزار ومقام لرموز التنظيمين الإخواني والسروري علنا، ولتنظيم الولي الفقيه سرا، وانطلق (تنظيم الحمدين) يرتب تحركاته السياسية وتدخلاته في مختلف البلدان العربية، داعما ومؤازرا بالمال والسلاح والمرتزقة، كل تنظيم يلمس أنه يصلح سهما في كنانته التي يعدها للوصول إلى هدفه النهائي المتمثل في إسقاط النظام السعودي والتربع على عرش بلاد الحرمين، (كما تسمى في أدبيات التنظيمات الإسلاموية الطائفية الثلاثة!!)، فكلهم إلى اليوم يتحاشون ذكر اسم (المملكة العربية السعودية)!!، ولا شك أن قيادة السعودية أدركت خطر التنظيمات الأربعة منذ وقت مبكّر، لكنها سعت بكل ما تستطيع من جهد إلى أن تصارح وتلمح على رموز هذه التنظيمات، وقادتها يرعوون ويعون أن أمن المملكة واستقرارها ومكتسباتها وجغرافيتها وتاريخها ووجودها خط أحمر سيتم قطع كل عنق يتطاول عليه، وعندما وصلت المملكة إلى الطريق المسدود، تحركت، فتهاوت وتبخرت أحلام وخطط عشرات السنين في التآمر عليها في لحظة واحدة، فالضربة السعودية كانت قاضية!!. وما زلت أحاول ربط السياقات ببعضها، ليقف القارئ معي على الأرضية التي ولدت لنا مختلف أشكال العنصرية من أجل تسخيرها لخدمة أجندات سياسية ضد وطننا قيادة وحكومة وشعبا، وأعيد وأكرر أن القيادة والحكومة تعلمان كل ذلك وأكثر منه، ولكن هدفي من كل ما أكتب هو تنوير الأتباع المخدوعين الذين أكلوا الطعم، وما زال بعضهم حتى اليوم يتبنى وجهات نظرهم العنصرية والتكفيرية والكراهية ضد الآخر داخل الوطن وخارجه، بكافة الصور التي جرى تقعيدها على يدي هذه التنظيمات، باعتبارها جزءا أصيلا من العقيدة، وما هي كذلك أبدا. وغدا نكمل.