حازم صاغية 

نهاية «داعش»، في معاقله الأساسيّة وفي مواقعه الثانويّة، صارت أمراً مسلّماً به. لكنْ نادراً ما حفّت بانتصارٍ، أيّ انتصار، المخاوفُ التي تحفّ بهذا الانتصار.

في العالم العربيّ، كما في البلدان الغربيّة، صار سؤال: «ماذا بعد داعش؟» عنواناً يوميّاً للإعلام بمقالاته وتحليلاته. والغموض، بما يرافقه عادةً من توجّس، يهيمن على السؤال.

أسباب ذلك كثيرة قد يكون أهمّها أنّ الانتصارات التي تتحقّق على التنظيم الإرهابيّ، في العراق كما في سوريّة، قابلة للتأويل انتصاراتٍ على السكّان أيضاً. يترافق هذا مع تصعيد في الاستقطاب المذهبيّ، السنّيّ– الشيعيّ، ومع توسّع إيرانيّ، مباشر أو مداور، يسدّ الفراغ الذي تتركه هزائم «داعش». هذا المناخ الإيرانيّ كانت آخر تعابيره إعادة حركة «حماس» الفلسطينيّة النظر في تحالفاتها والتوجّه إلى طهران.

وفي مقابل الأعمال العسكريّة، وكثير منها يشبه العقوبات الجماعيّة لمن كانوا ضحايا «داعش»، ثمّة خواء كامل في ما خصّ مناقشة الظاهرة وأسبابها، تمهيداً لتلافيها مستقبلاً. فحين تتّسع قاعدة الدول التي تعلن قبولها ببقاء بشّار الأسد في حكم سوريّة، ولو على طريقة أبغض الحلال، فهذا يعني، مرّة أخرى، المداواة بالداء نفسه.

في خلفيّة النظرة المتشائمة هذه أنّ الحروب السابقة على الإرهاب، في العراق كما في أفغانستان أو سواهما، لم تفض إلى «استئصال» الظاهرة الخطيرة، وفقاً لما كان المتوعّدون يتوعّدون دائماً. الكلام كان غالباً أكبر من الإنجاز.

لهذا فالخشيّة جدّيّة من أن تجد «داعش»، أو أيّ «داعش» أخرى قد تنسلّ من جسدها، بيئات حاضنة تلتفّ حولها مجدّداً وتوفّر لها سبل البقاء.

يضاعف هذه الخشية أمران: أنّ الوضع الإقليميّ متعب بمعاركه ونزاعاته وانقساماته، وعاجز بالتالي عن المساهمة في ضبط الأوضاع التي ستلي نهاية «داعش». ومن جهة أخرى، وهذا الأخطر، أنّ الولايات المتّحدة في ظلّ دونالد ترامب، تتحكّم بها نزعة الانسحاب الانعزاليّ من العالم الذي تُترك «ساحاته» لروسيا البوتينيّة. نزعة كهذه تحول دون مساهمات لا تخطر بتاتاً في بال الإدارة الحاليّة، كالتفكير في أحوال السلام العالميّ والتخطيط لما يستلزمه ذلك من تحالفات. فحين يقرّر الرئيس الأميركيّ، على حين غرّة، أن يوسّع حضوره في أفغانستان، بعدما كان ينوي استكمال الانسحاب منها، فإنّه لا يفعل سوى إغضاب الباكستانيّين! وبمثل هذا «النهج» الاعتباطيّ، يصعب ألاّ يشهد العالم بؤر نزاعات مفتوحة ومتروكة للتأزّم والعنف من دون سياسة.

أسوأ ممّا عداه أنّنا حتّى لو افترضنا ظهور يقظة دوليّة متأخّرة، وإرادة حازمة لترتيب أمور المنطقة، وهذا افتراض مبالغ فيه كثيراً، فإنّ القوى المحلّيّة باتت منهكة تماماً بعد أربع سنوات من التخلّي الأوباميّ والتمدّد الإيرانيّ– الروسيّ. وبإنهاك كهذا سيكون من الصعب عليها أن تلاقي أيّ جهد دوليّ في منتصف الطريق. يصحّ هذا على رقعة تمتدّ من العراق إلى لبنان.

إنّ متابعة سريعة وجزئيّة لما يجري تقطع بذلك، وبأنّ خليطاً من الاحتلالات والفوضى سيحكم هذه المنطقة ويتحكّم بها.