كمال الذيب

استعادة السيرة... فشل النزعات العسكرية والقومية الأصولية

في واحدة من تعريفاتها العديدة تصنف الأيديولوجيا «كمسعى لطمس الواقع وتقديمه على غير حاله»، وعليه يصبح من السهل أن تقدم المأساة العراقية، منذ 2003م، على سبيل المثال فقط بوصفها «انتصارًا للديمقراطية والحرية والعدالة»، تمامًا كما كان البؤس في ألبانيا ايان الزعيم أنور خوجة يقدم بوصفه «درة التقدم في مجتمع تسوده الرفاهية».


ومن هذا المنطلق قدم أصحاب الأيديولوجيا الأكثر محافظةً وتعصبًا الكارثة العراقية، بعد الاحتلال، بوصفها أثرًا ديمقراطيًا بارزًا في التاريخ من دون أن يكترثوا لاعتراض العالم بأسره على خطابهم وأفعالهم الذميمية التي كانت وراء السقوط المدوي والفوضى التي كانت البطانة الرئيسية لظهور التطرف والإرهاب الذي اريد له أن يكون مأساة وملهاة ننشغل بهما.


إن ما تعيشه المنطقة العربية اليوم من حالات الفوضى والاضطراب وعدم الاستقرار نتيجة مباشرة - في أحد أبرز تجلياتها المؤلمة - للتدخل الخارجي، وخاصة نتيجة للدور الأمريكي الملتبس والمزدوج والمؤثر في ذات الوقت. من ذلك التدخل العسكري المباشر في العراق وسوريا وليبيا وافغانستان. فالنزعة العسكرية الأمريكية قد بلغت أعلى تعبيراتها في نظرية الحرب الوقائية مع إدارة الرئيس جورج بوش الابن، إلا أنها متجذرة في عمق التاريخ الأمريكي، وتطورت علانية وبدعم شعبي واسع خلال الحرب الباردة، حيث تطور ونما المجتمع الأمريكي بفعل إنشاء آلة أمنية وعسكرية ضخمة، تهدف من حيث اتساعها وكلفتها ومظهرها إلى استمرار هذا المجتمع وانتشار نفوذه داخليًا وخارجيًا. هذا إضافة إلى الدور البارز والمؤثر للمجمع الصناعي - العسكري الأمريكي في عسكرة المجتمع الأمريكي، والعمل على عسكرة المجتمع الدولي على نحو واسع، وجعل الصناعة العسكرية في صلب الصناعة المتقدمة والتي تشكل الثراء الأبرز للرأسمال الغربي.


ويضاف إلى ذلك ردة الفعل النخبوية على التحولات الاجتماعية والديمقراطية في الستينات والسبعينات خصوصًا إبان حرب فيتنام، والدخول المفاجئ للأصولية المسيحية إلى المعترك السياسي. فمنذ ولاية الرئيس نيكسون، أدت التعبئة السياسية إلى زواج بين النزعة الأصولية المسيحية المحافظة والنزعة العسكرية الاديولوجية التي تقوم على أسس وشعارات قومية ازدادت عدائيتها.
إن الدعوة الأمريكية الجامحة إلى حرب لا تكاد تنتهي قد تفتح الباب أمام تمركز متزايد للسلطة، ويمكن أن يفضي في نهاية المطاف إلى إفلاس أخلاقي واقتصادي للولايات المتحدة بالدرجة الأولى، من دون تجاهل آثاره المدمرة على العالم في المدى المنظور.


فإذا كان الاحتفاء بآلة الحرب عند الرومان قد توقف في القارة الأوروبية، فإنه ما زال يلهم المخيلة الأمريكية حتى اليوم وبأشكال مختلفة، من خلال النزعتين القومية والعسكرية اللتين تؤثران في النخب وفي قطاعات كبيرة من الشعب والراي العام، لاسيما في معاقل الحزب الجمهوري الأمريكي الذي يهيمن حاليًا على مفاصل الحياة السياسية في الوقت الحاضر، من خلال البحث النخبوي عن التفوق الاستراتيجي الدائم للولايات المتحدة الأمريكية، وتعويد الشعب على الحرب المستمرة، والحرب التكنولوجية عن بعد.


لقد تحولت أوروبا - قبل الولايات المتحدة الأمريكية في النصف الأول من القرن العشرين - إلى حقل من الدمار بسبب تمجيد النزعتين العسكرية والقومية، وقد نتج عن هذا الأمر، كما هو معلوم، مذابح وحروب مدمرة خلال الحربين العالميتين، لوضع حد للكوابيس القومية والنزعة العسكرية وكوارثها الإنسانية والبشرية والاقتصادية في هذه البلدان. ومع ذلك لم تطفئ الحرب العالمية الثانية الروح العسكرية لدى المنتصرين الغربيين. وخير دليل على ذلك الحروب وحملات القمع الاستعماري التي اتخذت طابعا من القسوة غير العادية في الجزائر والهند الصينية، ومع ذلك كانت النتيجة النهائية تراجع الإمبراطوريات الأوروبية والذي كان محتمًا ولم تعد أوروبا «مركز العالم»، ولا قائدة لهذا العالم الجديد، وانكفأت النزعة العسكرية، وجاء الالتفات إلى البناء والتنمية بالدرجة الأولى.


إلا أن الولايات المتحدة الأمريكية التي حلت محل القوى الأوروبية، وتستعيد نفس السيرة القديمة والتي علمنا التاريخ مآلاتها الحتمية الكارثية، على كافة الأصعدة، وخاصة على الصعيد الإنساني والاقتصادي بالدرجة الأولى.
أما على صعيد العلاقات العربية الامريكية فمن الواضح أن الأحداث قد أثبتت بشكل لا يترك مجالاً للشك أن الولايات المتحدة الأمريكية تكيف سياساتها بشكل علني ومباشر مع مصالحها القومية، وليس مع مبادئها ومع ما تعلنه عن رؤيتها لعالم تسوده الحرية والعدالة والديمقراطية والإنصاف، وهذا الامر لا يرتبط بالموقف من القضية الفلسطينية فحسب، بل بالموقف من مجمل القضايا التي تهم العرب، ويبدو ذلك من تكيف الإدارات الامريكية المتعاقبة مع الوضع الإيراني بدلاً من تغييره، وتكيفها مع الوضع الأفغاني بدلاً من الدفع به إلى آفاق الحل السلمي الشامل، وتكيفها مع الوضع المختل في العراق بدلا من إخراجه من محنة سيطرة الأحزاب الطائفية والجماعات التقسيمية والأخطر من ذلك تسويق نظرية غريبة تكاد تقول: إن الطائفية يمكن ان تتنج الديمقراطية ولذلك فلا بأس بها ولا بأس من بقائها واستمرارها. وقس على ذلك بقية القضايا، من فلسطين إلى لبنان وسوريا والخليج العربي.


همس


40 % فقط من تلاميذ (اسرائيل) يكرهون العرب ويودون قتلهم، والستون في المائة الباقون يتمنّون ترحيلهم فقط..
تلك خلاصة دراسة (اسرائيلية) قامت بها وزارة التربية (الإسرائيلية)،.... وعند تقديم تبريرات هذا الكره للعرب، كان الإجماع حول جملة واحدة، وهي لأن (العرب لا يعترفون بحق اليهود وحدهم في أرض فلسطين).
... ولكن كراهية العرب لا تقتصر على بضعة مستوطنين ملتهبي الرؤوس، أو على بضعة حاخامات من مجانين يهود. إنها ظاهرة منتشرة على نطاق وساع، متجذرة وأصيلة!!
ومن يشك في ذلك فليجيبنا على سؤال مهم ووحيد: أي فارق يوجد بين نتنياهو وشارون وزيفي وبن اليعازر وحتى السيد رابين والآخرين؟
فرابين كان لا يحب قتل الفلسطينيين (على حد ادعائه).. إنه فقط كان يود أن يتبخروا كبركة من المياه بتأثير الحرارة.. وأن يتحولوا الى سحاب.. أما شارون وزيفي ونتانياهو والآخرون، فإنهم على الأقل يدركون أن مثل هذه السحابة ستعود على شكل سيل من الأمطار تجتاحهم في أي عاصفة!!..