محمد العسومي

 تتوالى وتتأزم عملية خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي لتخلق تداعيات وتحديات جديدة لاقتصاد المملكة المتحدة، فبالإضافة إلى القضايا العديدة التي أشرنا إليها في مقالات سابقة، فقد أوضحت البيانات الجديدة التي نشرت نهاية الأسبوع الماضي أن موطني الاتحاد الأوروبي بدأوا في مغادرة بريطانيا،

تحسباً للتطورات الخاصة بسحب الامتيازات المقدمة لهم، كمواطنين أوروبيين. وتشير تلك البيانات إلى أن عدد المهاجرين انخفض في شهر مارس الماضي على أساس سنوي بـ 81 ألف مهاجر ليبلغ 246 ألف، وذلك بسبب انخفاض القادمين من بلدان الاتحاد الأوروبي، كما غادر 17 ألف من مواطني الاتحاد بريطانيا للاستقرار إما في بلدانهم الأصلية أو الانتقال إلى دول أوروبية أخرى تعتبر الأوضاع الاقتصادية فيها أفضل من المملكة المتحدة، ويُعاملون فيها، كمواطنين في الحقوق والواجبات، كألمانيا على سبيل المثال، وذلك على العكس من بريطانيا التي ستسحب منهم هذه الامتيازات حال خروجها من الاتحاد.

ويتوقع أن تستمر عملية نزوح الأوروبيين من بريطانيا في الفترة القادمة، خصوصاً أن هناك فرصاً أفضل تتوافر في بلدان الاتحاد الأخرى، وأيضاً من منطلق «الذي لا يريدك لا تريده»، علماً بأن ذلك سيتسبب في معاناة إضافية للاقتصاد البريطاني لم تكن محسوبة عن اتخاذ قرار الانسحاب. أول هذه التداعيات مست مباشرة قطاع السياحة والخدمات، وبالأخص الفنادق والمطاعم، والتي تعاني الآن نقص الأيدي العاملة، حيث كانت القوى العاملة القادمة من أوروبا الشرقية تشكل 80% من العاملين في هذا القطاع، حيث أخذ المالكون في الشكوى من نقص العاملين بعد مغادرة 17 ألف عامل، والتي لا يجدون لها بديلاً، ويعانون صعوبات في تشغيل مؤسساتهم، حيث يتوقع أن يزداد الأمر تعقيداً من استمرار عملية الاستنزاف للأيدي العاملة الأوروبية.

متخذ القرار في المملكة المتحدة يقف حائراً أمام هذه المعضلة الجديدة، إلا أن الحلول ليست سهلة، فقد صرح وزير الهجرة بأن بريطانيا ستظل ترحب بالمهاجرين من بلدان الاتحاد الأوروبي حتى بعد خروجها، وذلك من أجل طمأنة العاملين من هذه البلدان، لكن الآمر يختلف تماماً في الوقت الحاضر، فالكثير من هؤلاء جاء على اعتبار معاملته كمواطن له امتيازات مع حق الإقامة الدائمة. أما الآن، فالوضع غير مشجع من وجهة نظر الأوروبيين، وعليك إذا أردت البقاء القيام بإجراءات معقدة كأي مهاجر آخر. أما البديل، فهو أسوأ من ذلك، فالمملكة المتحدة، وفق احتياجاتها الاقتصادية، تحتاج إلى 100 ألف مهاجر سنوياً، وهو هدف تسعى إليه، مما يعني أن توقف الهجرة الأوروبية سيضطر بريطانيا إلى فتح المجال أمام الهجرة من البلدان النامية، وهو قرار له تداعيات مكلفة، على اعتبار أن الأغلبية الساحقة من هؤلاء المهاجرين غير متعلمة وبحاجة للتدريب والإعانة، إضافة إلى التفاوتات الثقافية العميقة، والتي قد تسبب مشاكل عديدة، علماً بأن استقطاب الكفاءات حتى من البلدان النامية يشكل مكسباً للاقتصاد البريطاني.

ربما يكمن الحل في استمرار معاملة الأوروبيين كمواطنين للخروج من هذا المأزق، إلا أن ذلك أيضاً يعتبر مسألة قانونية معقدة، فالمملكة المتحدة ستتحلل من القوانين الأوروبية التي تعطي المواطنين هذا الحق، مما يتطلب تعديل القوانين البريطانية، وهي مسألة ليست سهلة بدورها، باعتبارها دولة غير عضو بالاتحاد، مما سيشكل تمييزاً ضد المهاجرين الآخرين. لقد وضعت بريطانيا نفسها في مأزق معقد وصعب، فبعد 45 سنة من العضوية في الاتحاد الأوروبي ليس من السهل حل تداعيات عملية الخروج في سنوات قليلة، هناك تكلفة باهظة، وعلى المملكة المتحدة تحملها ومعالجة تداعياتها.