خالد الطراح

نشر جون نيكسون، كبير المحللين السابقين في الاستخبارات الأميركية خلال الفترة 1998 – 2011، أخيرًا كتابه الأول بعنوان «استخلاص معلومات الرئيس.. استجواب صدام حسين»، شارحًا الفرق بين استخلاص المعلومات والاستجواب وفقًا لمواثيق دولية وأنظمة جهاز الاستخبارات الأميركي CIA حين جرى تكليفه مع فريق من المحللين في استجواب طاغية بغداد المقبور صدام حسين بعد اعتقاله واستخلاص أكبر قدر ممكن من المعلومات من شخصية سياسية جمعت كل معاني الطغيان والغطرسة والتفنن في التخطيط للمؤامرات والانقلاب على شعبه ودول وشعوب مجاورة إلى جانب إثارة الفتنة الطائفية والرعب بين أطياف الشعب العراقي والأسرة الواحدة!

استعرض الكاتب في عدد من الفصول من كتابه بالبراهين والدلائل على داء العظمة والطغيان لصدام حسين حتى أثناء فترة اعتقاله واستجوابه والتعنت في عدم الاعتراف بجرائمه، بل على العكس من ذلك فقد بدا صدام بوضوح مصابًا ليس بانفصام الشخصية وإنما موهومًا بشخصية البطل العربي والمسلم المناضل، حيث أكد في العديد من ردوده وتعليقاته على أنه «لا يوجد إلا صدام واحد ولا مثيل أو شبيه له»!

التفاصيل التي تناولها نيكسون في كتابه عن حياة الطاغية صدام تضع القارئ وكأنه أمام عرض من الخيال وليس واقعًا حقيقًا، دفعت الكويت وشعبها والمجتمع الدولي أيضًا ثمنًا من آلاف الأرواح البشرية، خصوصًا أثناء مثوله أمام مستجوبيه ممسكًا بالقرآن الكريم أثناء اعتقاله واستجوابه حتى لحظة إعدامه!

لم تختلف رواية نيكسون عن روايات أخرى، لا سيما تحليل وحكايات لشخصيات عراقية كالرئيس العراقي السابق المعروف بـ«مام» جلال الطالباني والرئيس السابق للاستخبارات العراقية وفيق السمرائي وموفق الربيعي البرلماني والمستشار السابق للأمن الوطني، حيث أكد الأخير أن المقبور كان مهووسًا بنفسه ومواقفه إلى درجة أنه وقف على منصة الإعدام مرددًا الشهادة وداعيًا بالنصر للأمتين العربية والإسلامية وهو من استباح بركًا من الدماء داخل العراق وخارجه!

كتاب نيكسون لم يكن منصبًا بالتركيز فقط على اعتقال صدام، بل ركز بشكل مستفيض الكاتب على انتقاد إدارة الرئيس الأسبق الأميركي بوش الابن، وكذلك جهاز الاستخبارات الأميركي، حتى بدا أن الكتاب استهدف الإدارة الأميركية بالوقت نفسه الذي يجري فيه عرض معلومات وانطباعات الكاتب عن استجواب طاغية!

لحق نشر كتاب نيكسون كتاب آخر بعنوان «السجين في قصره.. صدام وحراسه الأميركيون وما لم يتحدث عنه التاريخ» لضابط أميركي سابق وهو ويل برنادنويربر، يتناول «الألفة» التي نشأت بين حراس السجين صدام و«إنسانيته» في تقديم العهود بمساعدتهم حين يخرج من معتقله على حد وصف المؤلف!

كتابان يحملان تناقضات صريحة، لكن ستظل حقيقة المقبور صدام موثقة في ذاكرة التاريخ والشعب العراقي الشقيق والشعب الكويتي وشعوب العالم أيضًا.

لعل المهم في الموضوع هو الفرصة المتاحة لمسؤولين سابقين أميركيين في نشر مذكراتهم من دون أي مساءلة قانونية، بينما القانون في دول أخرى يمنع أياً كان من توثيق ذاكرته ولكن يسمح للبعض ممن ادعوا البطولة الوهمية إبان المحن، والإصرار على روايات من نسج الخيال وتصديق أنفسهم ونسفهم للتاريخ!

المفارقة كبيرة بيننا وبين دول تحترم من يبادر في التوثيق حتى لو حملت كتبه ومعلوماته تناقضات ونقدًا قاسيًا لأجهزة وإدارات رسمية وأنظمة بهدف التوثيق لمصلحة التاريخ وليس لمصلحة فردية!