«حزب الله» وشيعة العراق: الحساسية وموجات التعبير عنها

 وسام سعادة


من المبكر تأسيس تحليل كامل على موجة التوتر الأخيرة بين القوى المشاركة في التركيبة الحكومية العراقية وبين «حزب الله» عندنا، على خلفية انتقاد رئيس الوزراء حيدر العبادي للاتفاق الحاصل بين الحزب و«داعش» لنقل المئات من مجموعة توالي التنظيم كانت تحتل أرضاً من لبنان، باتجاه مناطق قريبة من العراق. ليس قليلاً مع هذا ما حدث. 

فبعد أن تركز هجوم أنصار الحزب على مقتدى الصدر ابان زيارة للسعودية، ولقائه ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، جاءت مشكلة قافلة «داعش» لتوسع مدى الاشتباك وحدته، فلا ينحصر بموقف للعبادي، أو بتموقع للصدر، بل يمتد بالشكل الذي يظهر فيه أن وراء الأكمة ما وراءها. هناك «حساسية» لدى عدد من القوى الحزبية الحكومية الشيعية العراقية من «حزب الله». حساسية تلجم حيناً، وتظهر على نحو صاخب حيناً آخر، لكنها ليست وليدة اللحظة.

حالياً، وحده نوري المالكي من يقف ضد موجة التعبير الأخيرة عن هذه الحساسية، بعدما سبق أن عبّر عنها أكثر من مرة قبل عشر سنوات، بل وصل به الامر في حينه الى حد اتهام الحزب بتدريب كوادر لتنظيم «القاعدة». 

فالمالكي، حاول تقديم نفسه بداية على أنه يقلل من حدة النفوذ الايراني، ثم سابق الاميركيين على موعد انسحابهم من العراق، بانتقاله كلياً الى موالاة وممالأة هذا النفوذ، وبقي في هذا الموقف حتى بعد الكارثة التي يتحمل الجزء الأكبر من مسؤوليتها من الجانب العراقي، مسؤولية انهيار الجيش النظامي المعاد بناؤه أميركياً، وذو الأرجحية الشيعية، أمام احتلال «داعش» لأغلب المدن العربية السنية في العراق في حزيران 2014. كذلك يتحمل المالكي مسؤولية مركزية في إقصائه للوسط العربي السني، ناهيك عن غلاظته تجاه الاكراد، فآخر مواقفه قبل الاطاحة به كانت تتهم الاكراد بالتواطؤ مع «داعش» ومع دخول العراق في حرب مريرة مع التنظيم، من دون العمل في الوقت نفسه على تحقيق مصالحة شيعية - سنية - كردية، تعيد للنقلة باتجاه النظام الدستوري التعددي معناها، وتسحب الغطاء عن معادلات التناحر المذهبي والانشطار الاثني، ثم مع التداعي، بفتوى من المرجعية، لتشكيل الحشد الشعبي، لمقاتلة تنظيم «داعش»، في موازاة عملية اعادة تشكيل جيش نظامي، بدت الامور كما لو أنها تلغي تماماً أي بعد استقلالي عراقي تجاه النفوذ الايراني، بل صار عدد من ميليشيات الحشد مدخلاً لاستشراء هذا النفوذ، ربطاً بنموذج الحرس الثوري الايراني. في هذه الفترة، تتابع إرسال المقاتلين الشيعة العراقيين الى سوريا أيضاً، لأداء المهام نفسها التي يؤديها «حزب الله»، لانجاد النظام البعثي فيها. أخذ أنصار الحزب يحتفلون بنموذج الحشد على أنه قرين لهم في لبنان، وللحوثيين في اليمن، والباسدران في ايران، وبأن هذا الانفلاش الميليشيوي قدر حميد في هذه المنطقة من العالم.

بيد أن هذا المسار الذي تتوج مع الحسم في الموصل، عاد وخلق ظروفاً للتباعد بين «حزب الله» والقوى النافذة بين شيعة العراق. فالتحدي في عراق ما بعد الموصل يكمن في كيفية الربط بين الحشد وبين الدولة. قاعدة النقاش هي أنه ينبغي ضبط الحشد. هذا بخلاف قاعدة اللانقاش في لبنان، حيث يعتبر «حزب الله» نفسه غير محتاج الى إجماع وطني حول سلاحه، ويعمد أكثر فأكثر الى ضبط الدولة نفسها، ما استطاع الى ذلك سبيلاً. 

التفلت من النفوذ الايراني، ولو جزئياً، هو مسألة مهمة عند القوى الشيعية الحكومية في العراق. وليس هذا ما يدور في بال «حزب الله». 

لكن الحساسية بازاء الحزب في العراق لا تختزل في هذا. هي «تحسس عراقي» يرغب في أن يكون «حزب الله» أقل اعطاء للدروس للعراقيين، واتهام له بالفوقية تجاه أحزابهم. وليس نافلاً أنه كلما ظهر توتر بين الحزب وبين أي مجموعة شيعية عراقية، تجد عناصر الاخيرة وهم يعودون فيقلبون الصفحات السابقة، ومنها مبادرة السيد حسن نصر الله التي وجهها الى الرئيس صدام حسين لتشكيل حكومة وحدة وطنية عراقية تستبق التدخل الاميركي. يعتبرونه قد حاول إنقاذ نظام صدام وقتها، ويأخذونها عليه. 

حاول الحزب احتواء التوتر الاخير، ولا ريب أن الامور تتجه مجدداً الى التهدئة. لكن الحساسية بازاء الحزب في العراق لن تضعف. انها تعتمل في أذهان وتصريحات كثيرين، وهي تفتح في المستقبل القريب على احتمالات مختلفة. الرهان على أن العراق، بعد معركة الموصل، سيتحول الى ممر ليس الا، من ايران الى سوريا النظام و«حزب الله»، هو رهان متسرع. الرهان على نقيض ذلك تماماً أيضاً متسارع. اما النظر الى التناقضات المعتملة مع ايران ومع «حزب الله» فضروري للغاية.

 

شؤون لبنانية