سلطان حميد الجسمي

 يعاني العالم اليوم ظاهرة التطرف، فهي تسبّبت في قتل وتشريد آلاف البشر خلال السنوات القليلة الماضية، باختلاف أديانهم وألوانهم. فالتطرف ليس مسجلاً باسم دين ما؛ بل هو ظاهرة عالمية تصيب عقول البعض، وتتسم بالتعصب والكراهية وإقصاء الآخر، والاستعداد للعنف وارتكاب الجرائم لإشباع نزوات حاقدة أو أطماع مادية. والتطرف بهذا المعنى هو الخطر الأكبر الموجود في العالم اليوم.


لا شك أن التطرف أصبح المهنة الأكثر جذباً لدى قوى الشر، فهي مَنْ توظف المتطرفين أو تخترقهم، أو تستغلّهم وتقدّم لهم التسهيلات والدعم بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، لكي يؤدوا مهام التطرف والتعصب وتشكيل منظمات متطرفة جديدة بأسماء وشعارات مزيّفة، كما هو حال التطرف اليوم في أوروبا، التي شهدت ساحاتها هجمات إرهابية ذهب ضحيتها كثير من الأبرياء.
القارة العجوز تعاني التطرف كثيراً، وأحد أسباب هذا التطرف هو السماح للمجموعات المتطرفة بنشر الخطابات المتطرفة، تحت شعار حرية الرأي وحرية ممارسة الشعائر. 
ففي أوروبا يتم استغلال بعض المساجد من قبل بعض أئمتها الذين يقومون في خطب الجمعة بالتحريض على الآخرين، ونشر الكراهية والتطرف. ولهذا فإن الشارع الأوروبي اليوم يقول: «الدولة تدفع للإمام راتبه، وهو يحرّض المصلين ضدها»، كما هو الحال في سويسرا ودول أخرى، لهذا فإن قوانين الدول الأوروبية في هذا الشأن تجعل أوروبا معرضة للخطر، وتحت تهديد التطرف؛ لأنها تضع المعتدل والمتطرف على قدم المساواة دون تمييز.
ويشير تقرير للاتحاد الأوروبي إلى أن ما يقارب 50 ألف متطرف ينتشرون في أوروبا، و70 بالمئة منهم موجودون على الأراضي البريطانية. وقد كشف التقرير بأن الأمن الداخلي في أوروبا تحت تهديدات محتملة، لا سيما أنه كل شهر وفي أكثر من مرة، تتعرض أوروبا لعمليات إرهابية، مثل التفجيرات وعمليات الدهس، والاحتجاز وأخذ الرهائن، وقتل الأبرياء. 
وجاء في التقرير أن للمتطرفين أهدافاً خطيرة أخرى، كضرب محطات نووية لتوليد الطاقة وغيرها من مخططات الشر، وذلك للضغط على الحكومات الأوروبية لدعم مهام «داعش» في سوريا والعراق.
التطرف أنواع عدة، منها التطرف الفكري والديني والعرقي، وقد استغلت جميع أنواع التطرف هذه لمصالح قوى الشر. فاليوم تعمل هذه القوى على تجنيد الشباب في العالم، وتدريبهم كي يقوموا بأدوار إجرامية في المجتمع، فينشأ ويتغذى هؤلاء الشباب على خطاب الكراهية للآخر، ويرسِّخون في أذهانهم أهدافاً مزيفة تسوّل لهم أنفسهم بأنهم عظماء، وأن الآخر شيطان رجيم لا قيمة له. 
كما يوجد متطرّفون آخرون ظاهرهم التشدد والتعصب، وهدفهم جمع المال فقط؛ لذلك فإن هذا التطرف هو الأسهل في العالم، وخاصة في أوروبا؛ لأن الشباب العاطل الضائع يبحث عن فرص للكسب غير المشروع، فلا يبالي سوى بالمال والشهرة، والتطرف بالنسبة له وسيلة لتحقيق ذلك.
اختلط الحابل بالنابل بعد الأزمة السورية ومحنة المهاجرين، فأصبحت سمعة اللاجئ السوري مهدّدة، بسبب آخرين إرهابين من أصول مختلفة يشكّلون خطراً كبيراً على المجتمعات الأوروبية، ويتسبّبون في صعوبة تعامل الحكومات مع اللاجئين الأبرياء، لا سيما أنهم يبحثون عن أي ملجأ آمن، فالوقوف معهم واجب وحق دولي، وعلى الدول الأوروبية عمل ما يلزم للحيلولة دون تغلغل بعض هؤلاء المتطرفين والإرهابيين في أراضيها، والسماح للاجئين السوريين المحرومين فقط من دخول أراضيها، وعمل كل التسهيلات لهم.
إن محاربة التطرف في أوروبا تحتاج في المرتبة الأولى إلى نشر الوعي في المجتمع، وخاصة بين الشباب، وهذا يحتاج تعاوناً كبيراً بين الحكومات الأوروبية والمجتمع، والمؤسسات الإسلامية العريقة في العالم الإسلامي، لحماية عقول الشباب من هذا السم القاتل. 
ويأتي في المرتبة الثانية محاربة مهنة التطرف والوقف الفوري لظاهرة التمييز العنصري في المجتمعات الأوروبية، التي باتت منتشرة حتى في القنوات التلفزيونية، من قذف وشتم واعتداء على المسلمين والعرب واللاجئين في أوروبا، فوقف هذه الممارسات يعزّز الأمن والأمان في هذه المجتمعات التي تتنوع فيها الجنسيات والأعراق. 
وفي المرتبة الثالثة وهي ذات أهمية كبيرة، تأتي ضرورة قطع دابر التمويل للمنظمات المتطرفة وملاحقة حساباتها البنكية وحجزها، فالمنظمات الإرهابية المتطرفة تتغذى على الأموال والدعم الخارجي، ودور الحكومات الأوروبية هو قطع هذا التمويل عن المنظمات الإرهابية، وتعريتها أمام الرأي العام ومحاكمتها، لكي تكون عبرة في التاريخ والعالم، وطبعاً كشف أماكن تدريب المتطرفين، واتخاذ إجراءات أمنية فورية من شأنها إيقافها عن هذه الممارسات، لحماية المجتمع الأوربي من هذا الخطر، وحماية أرواح البشرية من أي إرهاب محتمل.